- مع الفراهي:

أما الفراهي فيرى في نظم القرآن دليلا على نظم الديانة كلها وذلك حينما يقول: " القرآن هو الأصل للإسلام والإيمان، أي: الشرائع والعقائد، قال تعالى:] وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [.

وإذا كان القرآن على المطابقة التامة للدين صار النظر في نظامه باعثا على النظر في الشرائع والعقائد، فما كان أصلا وأساسا، نبه القرآن على كونه كذلك، فإذا تدبرت في القرآن هديت إلى حكمة الدين ونظام أموره".

وهكذا يظهر لنا من خلال هذه الفقرات المقتبسة لأعلام النهضة المعاصرة مقدار الخلل الذي حصل في المفهومات والقيم الإسلامية نتيجة لدراستها بمعزل عن القرآن، الأمر الذي يستوجب تصحيحا بالعودة بها إلى القرآن الذي يعيد إليها توازنها، ويعطي كلا منها نصيبه الذي يستحقه في ميزان القرآن، فلا تطغى حقيقة على أخرى، ولا تدغم حقيقة في حقيقة غيرها.

- منهجية دراسة القرآن:

إذا كان لا بد لنا في فهم الإسلام وقيمه ومفهوماته من الاعتماد على القرآن والارتكان إليه ليكون فهمنا صحيحا، وقيمنا متوازنة، ومفهوماتنا سديدة، فإن هذا الأمر يستدعي منهجية موحدة وأصولا متفقا عليها، ليكون القرآن حكما يفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه – كما أراده الله أن يكون -:]. وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. [.

أما إذا اختلفنا في القرآن، فكيف يمكن أن يكون حكما؟

ومن ثم فلا بدلنا من منهجية موحدة تمكننا من تحقيق هذا الهدف، ولكن أنى لنا ذلك مع اختلاف العقول؟ واختلاف المشارب؟ واختلاف الدراسات والثقافات؟!!

.. ومن الذي يملك أن يضع هذه الأصول والقواعد؟

وكيف يمكن أن تكون وسيلة للالتزام فضلا عن الإلزام؟

إن القضية كبيرة وتحتاج إلى جهود جماعية متضافرة، ويمكن أن يعقد لأجلها مؤتمرا ومؤتمرات، وذلك نظرا لأهميتها وما يمكن أن ينبني عليها، فهي تستحق أن تبذل فيها الأوقات والأموال، وأن تكد من أجلها القرائح والعقول، لأنها تجمع علماء الأمة على أصول وقواعد لفهم كتاب الله، بعيدا عن الزيغ واتباع الأهواء، وبذلك تلتقي كلمة الأمة على نهج سديد وكلمة سواء.

وريثما يتم مثل هذا المؤتمر نرى لزاما أن نطرح بعض الأفكار والملاحظات للمناقشة بحيث يمكن البناء عليها فيما بعد، ولعلها تسهم في بيان المراد وإضاءة الطريق.

هل القرآن حمال أوجه؟

من الأقوال المأثورة في تراثنا:" لا يفقه الإنسان كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها".

وقد تركت هذه الكلمة آثارها في كتب التفسير، وكتب العقائد والفرق، فكثيرا ما يجد القارئ لتفسير آية أقوالا عدة، ووجوها مختلفة، يقف حيالها حيران، لا يدري ماذا يأخذ، وماذا يدع، وكذلك الآية الواحدة تستشهد بها الفرق المختلفة، وكل منها تحملها المعنى الذي تريد، وهي تود نصرة قولها وتأييده بآية من القرآن ليكون مقبولا عند الناس، لا مجال للاعتراض عليه، حتى قال بعضهم: إن القرآن قد وسع الفرق الإسلامية كلها، نظرا لأن كل فرقة تحاول جاهدة أن تجد مستندا لما ذهبت إليه من القرآن.

والحقيقة أن هذا القول المأثور " لا يتفقه الإنسان كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها " يمثل نصف الحقيقة، والنصف الآخر هو " وحتى يستطيع أن يرجح واحدا من هذه الوجوه" ذلك أن رؤية وجوه عدة لمعنى الآية يدل على التبحر وسعة المعرفة الأفقية، ولكن ترجيح واحد من هذه المعاني يدل على الرسوخ في العلم والتعمق في الفهم. والقرآن نزل ليكون حكما بين الناس فيما اختلفوا فيه، والحكم لا بد أن يكون له قول واحد ليكون حجة وقابلا للتنفيذ، أما إذا تعددت أقوال الحكم ولم يمكن الترجيح بينها فكيف يمكن أن تكون حكما. وهكذا بدلا من أن يحكم القرآن بين الناس فيما اختلفوا فيه، يختلف الناس في فهم القرآن. وينشأ عن ذلك فرقة وخصام ومذاهب واتجاهات. على حين نجد القرآن يأمرنا بالاعتصام بحبل الله وينهانا عن التفرق:] واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا المخرج حين نزول الفتن بما رواه علي yعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله، ستكون فتن، فما المخرج منها؟ قال: "كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015