حياكم الله يا دكتور ظافر في ملتقى أهل التفسير، والحمد لله الذي جاء بك من غير سيفٍ أو دمٍ مهراقِ، وأشكرك كثيراً على كتابك وجهدك الذي لمسته من خلال الاطلاع على الكتاب رعاكم الله وسددكم. وقد قرأتُ معظمَه في القاهرة فقد ابتعته بمفرده ولم يكن معي في الفندق سواه فتفرغت له يومااً وانتفعت به فجزاك الله خيراً. وقد تساءلتُ كيف أصلُ إليك لدعوتك للمشاركة معنا في الملتقى والاستفادة من خبرتك العلمية حول بلاغة القرآن، فالحمد لله على هذه التقنية التي قربت البعيد وأَدنت القصيَّ.

أكرر الترحيب بك وأنتظر منك الكثير فحياك الله. وليتك تفصل لنا نتائج هذا البحث الذي تم التعريف به وهل ثَمَّة بقية من الموضوعات المتعلقة بموضوع العدول في صيغ الخطاب في القرآن الكريم جديرة بالدرس والنظر برأيكم؟

ـ[د/ظافر العمري]ــــــــ[11 Sep 2008, 01:34 ص]ـ

السلام عليكم

جزاكم الله خيرا يا دكتور عبدالرحمن وبارك فيكم

ويسعدني أن أكون أحد أعضاء هذا الملتقى المبارك بإذن الله

وما لدينا إنما هو بضاعة مزجاة.

أما سؤالك عن العدول في الخطاب القرآني فهو واسع يشمل الفعل والاسم والحرف

وقد تناول البحث معظم ما يتصل بصيغة الفعل وما يتعلق به مما يساق مساق الفعل من الأسماء كالصفات (المشتقات: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة) وجانب لا بأس به من الحرف المتعلق بالفعل. وما يلحق بالصيغة من عدول في مقتضى بنية الفعل من جهة التعدي واللزوم. والاستغناء عن متعلق الفعل من مفعول صيغ الفعل على صيغة تصل إليه.

ولا ريب أن هناك جوانب عدة من العدول في الخطاب القرآني لم يتطرق إليها البحث لاعتنائه بالفعل وما هو في حكمه وما يتصل به. وإن كان العدول في الصيغ يشمل قضايا كثيرة من مسائل العدول في غير الصيغ.

ومن أساليب العدول في الأسماء الالتفات وهو باب معروف في العربية، ومنه استعمال الضمير موضع الاسم الظاهر، ومنه أسلوب الحكيم.

غير أن العدول في صيغ الأفعال وما يلحق به هو أوسع وأشمل أبواب العدول وأكثرها خصوبة، وأجزلها أغراضا، خاصة في الكتاب الكريم.

أخي المفضال: إليك ما سألت عنه من نتائج البحث:

أولا: أن المخالفة في الأفعال من صيغة إلى أخرى في القرآن الكريم يغلب وقوعها في الآيات التي تتحدث عن أمور الآخرة والمعاد وأمور الحساب والجزاء، وموقف الخلق بين يدي خالقهم يوم الدين، وتحقيق الوحدانية والهيمنة الإلهية، بما تستوجبه من عظيم الصفات، ورفيع الدرجات، وهذا دليل على فخامة هذا الأسلوب، لكثرة الماضي في أحداث اليوم الآخر، وكثرة مجيء المضارع في استحضار الأمور العظيمة وحكاية الحال الماضية، وهما إنما يكونان فيما يستعظم من الأمور. وقد استأثرت هاتان الصيغتان بهذا الأسلوب في القرآن الكريم ــ أعني أسلوب المخالفة ــ حتى لا نجد للعدول إلى الأمر عن إحدى الصيغتين الأخريين إلا في آية واحدة جاء فيها العدول بطريقة الرجوع عن المضارع إلى الأمر، ولعل ذلك يرجع إلى سعة الأفق الدلالي لهاتين الصيغتين لتتقلبا في التراكيب على وجوه شتى فتكسب الأسلوب جزالة، وتكسوه جمالا.

ثانيا: كانت تلك الآيات التي تتضمن المخالفة تدعو لتهذيب النفس، وتتغلغل في أعماقها، فتبعث فيها الكوامن التي أودعتها الفطرة من الرهبة والخوف والطمع والخشوع والتذلل والتسليم، وليس بعد تلك العبر والمشاهد والآيات الباهرة مجال لزيغ النفس إلا من كتب الله عليه الشقاء.

ثالثا: أن هذا الأسلوب الجزل، والكلام المتميز الرفيع، من مخالفة مقتضى الظاهر والعدول عن صيغة إلى أخرى من الأفعال، وعلى وجه الأخص الإخبار عما هو للوقوع بأنه واقع؛ لا يقع إلا ممن يملك أن يجعل الغائب حاضرا، والبعيد قريبا، ويملك أن يفعل ما يقول، ويملك أن يقول للشيء كن فيكون.

رابعا: أن من الأحكام الفقهية والعقدية في الكتاب الكريم ما لا ينكشف إلا بتأمل تركيب الآيات، وأسلوبها وسبب مجيئها على ذلك الوجه دون غيره، فالسر البلاغي والنكتة البلاغية التي يحملها ذلك التركيب تحمل في ثناياها حكما ومقصدا شرعيا لولا ذلك الوجه البلاغي لما ظهر الحكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015