ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[09 Jul 2008, 12:19 م]ـ
الإنسان ذلك الكائن!!
بقلم بسام جرار
جاء في الآية 14 من سورة لقمان:" ... أن اشكر لي ولوالديكَ إلي المصير"، فوجود الإنسان نعمة عظيمة يُشكر خالقها ويُشكر من كان واسطة في تحققها. والملاحظ أنّ أغلبية الناس لا تدرك أهمية وجود الإنسان ومركزيته في هذا الوجود. ويؤدي الجهل بالقيمة العظيمة للإنسان إلى الاستهتار به والتفريط بحقوقه. وفي الوقت الذي يدرك فيه الإنسان أهمية وجوده ومركزيته في الخلق ستختلف نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين، وسينعكس ذلك بعمق على أدائه وسلوكه في الحياة. ونحن هنا بصدد تسليط الأضواء على مكانة الإنسان ومركزيته في الوجود كما جاء في القرآن الكريم.
قبل خلق الإنسان هُيّئت الأرض لاستقبال هذا المخلوق المكرم، بل لقد سُخّرت السموات والأرض من أجله، انظر الآية 20 من سورة لقمان:" ألم تروا أنّ الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ... "، وانظر الآية 13 من سورة الجاثية:" وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، فكل هذا الخلق العظيم، الذي يفوق في عظمته قدرتنا على التصور، قد خلق من أجل هذا القادم الذي يجهل قدره ومكانته!! وعندما أصبح هذا الوجود العظيم جاهزاً لاستقبال الإنسان أخبرت الملائكة الكرام بأنّ الخليفة قادم، انظر الآية 30 من سورة البقرة:" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة ... "، وعندما ظهر أنّ الملائكة لم تستشعر عظمة وجلال هذا المخلوق تمّت المبارزة التاريخية والتي أظهرت تفوق الإنسان من خلال قدرته العقلية وقابليته وقدرته على التعلم.
وطالما أنّ هذا المخلوق المفضّل عظيم القدر قد وجد، فقد آن الأوان أن تعترف المخلوقات، وعلى رأسها الملائكة والجن، بمكانته ومركزيته وجلال قدره وفوقيّته، فكان الأمر من الخالق سبحانه:" ... اسجدوا لآدم .. "، فسجدت الملائكة وأبى إبليس، الذي كان من الجن. ويبدو أنه أدرك أنّ الجنّ قد فقدت المكانة العظيمة التي كانت تطمح إليها قبل خلق هذا الكائن، وجادل في أحقية الإنسان، جاء في الآية 12 من سورة الأعراف:" ... قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين". وهذه حجة غير مقبولة، لأنه يرفض الأمر الألهي، فالله هو الذي خلق وهو الذي يختار ويجتبي بعلمه وحكمته وإرادته المطلقة. ولكنّ هذا الرفض من إبليس يشير إلى أنه يعلم حقيقة وعظمة وجلال ما فُضّل به آدم، مما جعله يشط ويقع فيما وقع فيه من معصية.
وكانت الخلافة في الأرض، ولأجلٍ مسمى، ولحكمةٍ يريدها الخالق عز وجل. وستنتهي هذه الخلافة، فتأتي المرحلة الثانية والأخيرة (الآخرة) ليقوم الإنسان من أجل ممارسة وظيفته الحقيقية، والتي هي أعظم من أن يدركها العقل البشري المرهون الآن لقوانين الحياة الدنيا، ويبدو أنّ إبليس قد أدركها – ولو بقدر - فكان منه ما كان. وإذا كان نظام السماوات والأرض قد سخر للإنسان للقيام بوظيفته الدنيوية المؤقتة، فقد آن الأوان أن يُغيّر هذا النظام ويُستبدل ليلائم الوظيفة الجديدة الدائمة غير المؤقتة. انظر الآية 48 من سورة إبراهيم:" يوم تُبدّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماواتُ ... "، والآيات القرآنية التي تتحدث عن اختلال النظام الكوني عند قيامة الإنسان كثيرة.
أما يوم الحساب والفصل فعظيم، كيف لا، وهو يتعلق بكائن عظيم وهب العقل والاختيار ونفخ فيه من السر الرباني ما نفخ. وبعد الفصل يكون الرضا الكامل على من نجح وأفلح وتحققت فيه حكمة الوجود. ويكون في المقابل الغضب على من تدلّت به شهوته ولم يرتفع به عقله، ولم يكن يدرك عظمة نعمة العقل والاختيار، وفرّط في الفرصة العظيمة التي مُنحت له، ليكون في عالم السعادة اللانهائي وهو يقوم بتلك الوظيفة الجليلة التي خلق من أجلها. جاء في الآيتين 22،23 من سورة المطففين:" إنّ الأبرار لفي نعيم، على الأرائك ينظرون"، وفي الآية 35:" على الأرائك ينظرون". والسؤال هنا: ينظرون إلى أم ينظرون في؟ فإذا كانوا ينظرون في، فإن ذلك يعنى أنهم أصحاب قرار، فمثلهم كمثل ملوك الدنيا يجلسون في عروشهم ينظرون في الأمور ثم يبتّون في المسائل. جاء في صحيح الجامع للألباني:" سأل موسى ربه فقال: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة
¥