فحين يرى بعض الباحثين أنه ينبغي أن يتناول التفسير التحليل كل ما له علاقة بالآية من قريب أو بعيد، ومن ذلك الفوائد البلاغية، والموضوعية عقيدة وعبادة وأخلاقاً، وما تشير إليه الآية من العلوم المعاصرة، وهذا هو منهج المؤلفين في التفسير غالباً.
يرى آخرون أن التفسير يجب أن يتناول اللفظ القرآني وكل ماله علاقة به، ويركز بحثه على تلك اللفظ في معناها اللغوي، والأثري، وينبغي أن يجتنب تناول العلوم الأخرى التي هي من علوم القرآن أو ا لنحو أو البلاغة أو العقيدة أو العبادة، أو العلوم التجريبية، وإن أشارت إليها الآيات؛ لأن ذلك يخرج عن مفهوم التفسير الذي يراد به الكشف والبيان فقط.
ودراسة مسألة التدبر في ضوء ا لقرآن تبيّن أن العباد كلفوا بتدبر القرآن، فالآيات التي تحدثت عن علاقتهم بالقرآن لم تأت بلفظ التفسير، وإنما جاءت بلفظ التدبر، وعليه فإن التدبر وما يدخل تحته هو المعيار.
ومن هنا جاءت دراسة مفهوم تدبر القرآن من خلال آياته.
والذي يحدد منهج التفسير من حيث الأسلوب، ومن حيث السعة والضيق من خلال دراسة مفهوم التدبر في القرآن أمران:
أحدهما: الهدف من التدبر الذي أشارت إليه آياته وسبق قريباً.
الثاني: مفهوم التدبر في موارده، والذي يجمع بين معناه اللغوي، ومعانيه التي تؤخذ من السياق.
وعليه يمكن القول: إنه إذا كان المقصود بالتفسير مخاطبة المؤمنين بالله تعالى الموقنين به، تعين منه ما يفهمون به المعنى العام للقرآن الكريم؛ ليطبقوه ويعملوا به. وما زاد على ذلك ليس بواجب.
وإذا كان المقصود بالتفسير مخاطبة غير المؤمنين الذي ينكرون مصدرية القرآن، ويطعنون في نبوة محمد ? تعيّنَ من التفسير ما يتضمن النظر في الأنواع الأخرى التي تدل على تناسق القرآن وإعجازه وأنه من عند الله تعالى حتماً، ليكون ذلك ركيزة للتصديق به والإيمان بالرسالة. والله أعلم.
وبين ذلك مراتب كثيرة يحددها واقع الحال.
وبهذا هذا المعيار ـ أيضاً ـ يحكم على التفاسير الموجودة. ويحكم على ما تحتويه من معلومات.
فإذا توفرت في المعلومات التي يتضمنها التفسير شرطان:
إحداهما: دخولها تحت نوع من أنواع النظر التي يشملها التدبر.
ثانيهما: كونها تصب في هدف التدبر. وهو تحقيق الإيمان.
فإنها حينئذ تكون مما طلب من المؤمنين في تعاملهم مع كتاب ربهم وجوباً أو استحباباً حسب درجة الطلب.
وإذا اختل شرط من هذين الشرطين فلم يتوفر في المعلومة، لم تدخل تحت مفهوم التدبر.
فينظر فإما أن تكون وسيلة للوصول إليه كالبحث في التراكيب وتوجيهها والكلمات وأسرار التعبير بها ونحو ذلك.
أو تكون من الزيادات في كتب التفسير. والله أعلم.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[10 صلى الله عليه وسلمug 2008, 05:56 ص]ـ
جزاك الله خيراً أبا عائش على الإفادة
ولكن هل ما ذكرته بحثاً أو جزءاً من رسالة؟
ـ[محمد العواجي]ــــــــ[12 صلى الله عليه وسلمug 2008, 06:46 م]ـ
نفع الله بالكاتب كما نفع بكم إخواني،وإلى المزيد من الجهود (العملية) في خدمة القرآن وعلومه.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[29 Jan 2009, 08:01 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أيها الكرام
وبعد زمن وتأمل , وبينما كنت أقلب جوانب الموضوع مرَّةً أخرى , تبادر لي سؤال ذو أثرٍ ظاهرٍ في الموضوع , وهو:
هل يمكن حصول أثر التدبر وغايته من غير تفسير أو استنباط؟
والجواب على هذا السؤال سيغير أركاناً مهمة في البحث السابق , فسيتحرر على أثره تعريف التدبر , وموضوعه , وشروطه , ولست أحفل بمقدار ما سيتغير من الموضوع , إن كانت عاقبته الظفر بالحق , ونجاح الاجتهاد.
وخلاصة الجواب فيما أرى:
أن الله تعالى أمر جميع خلقه بتدير القرآن كما أسلفنا في عرض آيات التدبر السابقة , والأمر بالتدبر وقع على جميع آيات القرآن الكريم كما هو ظاهر كذلك , ولم يوجب الله تعالى معرفة معاني جميع القرآن الكريم (تفسيراً أو استنباطاً) على أحدٍ من الخلق فضلاً عن جميعهم.
ومن ثَمَّ يقال:
لا يشترط لتدبر الآية العلم بمعانيها التفسيرية أو الاستنباطية.
كما نرجع على مفهوم التدبر السابق بيانه بالتحرير , فيكون معناه:
التأمل في الآيات القرآنية بقصد معرفة الحق فيها , والانتفاع به علماً وعملاً.
وهذا التعميم والتوسع في التعريف يطابق التعميم الوارد في الآيات من جهتي: من يَتَدبر؟ وماذا يُتَدبر؟ (المخَاطَبُ بالتدبر , وموضوعه) , ويطابق الواقع المشاهد من أحول المتدبرين.
ثم يتحرر كذلك موضوع التدبر , فيكون: الآيات القرآنية. هكذا بلا تقييد.
وبمثل هذا البيان تنعم الأمة بل العالم بأسره بأبواب من التيسير في دعوتها إلى تدبر كتاب ربها , والتأثر والعمل به.
وليس هذا بنهاية الحديث في هذا الباب الجليل , وإنما أرفعه أخرى لمقام إخواني النبهاء؛ لينال حظه منهم تفسيراً أو استنباطاً أو تدبراً.
والله الموفق للصواب , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
¥