وَأَمَّا مَا كَانَ مَظْنُونًا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بَيْنَهَا، وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَقْيِسَةِ الْمَظْنُونَةِ تَرْجِيحٌ، وَإِنَّمَا الْمَظْنُونُ عَلَى حَسَبِ الِاتِّفَاقِ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَبِنَاءً"* عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَجَالِ الْمَظْنُونِ مَطْلُوبٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَطْلُوبٌ فَلَا طَرِيقَ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا الْمَظْنُونُ عَلَى حَسَبِ الْوِفَاقِ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهَذِهِ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ أَلْزَمَهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِلِاجْتِهَادِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ1: وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُرِدْ مَا حَكَاهُ عَنْهُ، وَقَدْ عَقَدَ فُصُولًا فِي "التَّقْرِيبِ" فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ الْعِلَلِ عَلَى بَعْضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ يَعْنِي إِنْكَارَ التَّرْجِيحِ فِيهَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ نَوْعٌ عَلَى نَوْعٍ، عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا "يَظُنُّهُ"** الْمُجْتَهِدُ رَاجِحًا، وَالظُّنُونُ تَخْتَلِفُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ فِي آحَادِ النَّوْعِ الْقَوِيِّ شَيْءٌ يَتَأَخَّرُ عَنِ النَّوْعِ الضَّعِيفِ. انْتَهَى.
وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الأقيسة يكون على نوع:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ:
بِحَسَبِ الْعِلَّةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي:
بِحَسَبِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
بِحَسَبِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ:
بِحَسَبِ دَلِيلِ الْحُكْمِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ:
بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ:
بِحَسَبِ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ.
النَّوْعُ السَّابِعُ:
بِحَسَبِ الْفَرْعِ.
1- أَمَّا التَّرْجِيحُ بَيْنَهَا بِحَسَبِ الْعِلَّةِ، فَهُوَ أَقْسَامٌ:
الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الْمُعَلَّلُ بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ عَلَى الْقِيَاسِ الْمُعَلَّلِ بِنَفْسِ "الْحِكْمَةِ"***، لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَهْلِ الْقِيَاسِ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ، فَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالسَّفَرِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْمَشَقَّةِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي:
"أنه يرجح"**** التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ؛ لِأَنَّ العدم لا