وَالثَّانِي: عَلَى حَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْتَفْتِي حَادِثَةٌ، فَاسْتَفْتَى أَحَدَ الْعُلَمَاءِ، تَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَأَخَصُّهُمْ بِمَعْرِفَتِهَا مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا، فَإِنْ أَجَابَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ سَقَطَ الْفَرْضُ، وَإِلَّا أَثِمُوا جَمِيعًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ، فَيَكُونُ فَرْضُ الِاجْتِهَادِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا تَفَرَّدَ بِالْحُكْمِ فِيهِ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهَا.
وَالثَّالِثُ: عَلَى حَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الْعَالِمُ مِنْ غَيْرِ النَّوَازِلِ، يَسْبِقُ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ.
وَالثَّانِي: أن يستفتيه قبل نزولها. انتهى.
ولا يخافك أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الِاجْتِهَادِ فَرْضًا، يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ما صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" 1.
وَقَدْ حَكَى الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ" عَنِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ".
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الْخَلْقُ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ، أَوْ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي "الْوَسِيطِ"2: قَدْ خَلَا الْعَصْرُ عَنِ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَنَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَجِيبٌ، وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَابِلَةِ، وَسَاعَدَهُمْ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا.
وَالْحَقُّ: أَنَّ الْفَقِيهَ الْفَطِنَ لِلْقِيَاسِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ، لَا النَّاقِلِ فَقَطْ.
وَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالزُّبَيْرِيُّ3، وَنَسَبَهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى الْفُقَهَاءِ، قَالَ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَخْلَى زَمَانًا من قائم بحجة، زال.