لِلنَّسْخِ شُرُوطٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ شَرْعِيًّا لَا عَقْلِيًّا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُنْفَصِلًا عَنِ الْمَنْسُوخِ، مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، فَإِنَّ الْمُقْتَرِنَ كَالشَّرْطِ، وَالصِّفَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا بَلْ تَخْصِيصًا.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بِشَرْعٍ، فَلَا يَكُونُ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ نَسْخًا، بَلْ هُوَ سُقُوطُ تَكْلِيفٍ.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْسُوخُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ انْقِضَاءُ وَقْتِهِ الَّذِي قُيِّدَ بِهِ نَسْخًا لَهُ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مِثْلَ الْمَنْسُوخِ فِي الْقُوَّةِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، لَا إِذَا كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُزِيلُ الْقَوِيَّ.
قَالَ إِلْكِيَا: وَهَذَا مِمَّا قَضَى بِهِ الْعَقْلُ، بَلْ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَنْسَخُوا نَصَّ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ واحد.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الشَّرْطِ مَزِيدُ بَيَانٍ.
السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضَى لِلْمَنْسُوخِ غَيْرَ الْمُقْتَضَى لِلنَّاسِخِ، حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْبَدَاءُ، كَذَا قِيلَ.
قَالَ إِلْكِيَا: لا ويشترط بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ النَّاسِخُ مُتَنَاوِلًا لِمَا تَنَاوَلَهُ الْمَنْسُوخُ، أَعْنِي: بِالتَّكْرَارِ وَالْبَقَاءِ؛ "إِذْ لَا يَمْتَنِعُ"* فَهْمُ الْبَقَاءِ بِدَلِيلٍ آخَرَ سِوَى اللَّفْظِ.
السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ نَسْخُهُ، فَلَا يَدْخُلُ النَّسْخُ أَصْلَ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا عُلِمَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ يَتَأَبَّدُ وَلَا يَتَأَقَّتُ.
قَالَ سَلِيمٌ الرَّازِيُّ: وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ، ووحدانيته، ونحوه، فلا يدخله النسخ، ومن ههنا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا نَسْخَ فِي الْأَخْبَارِ؛ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا عَلَى خِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ، وَكَذَا قَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ، وَقَالَ: الضَّابِطُ فِيمَا يُنْسَخُ مَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ مِنْ حُسْنٍ إِلَى قُبْحٍ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّأْبِيدِ وَجْهَيْنِ، حكاهما الماوردي، والروياني، وغيرهما.