الْأَصْلِ وَالْخُصُوصِيَّةُ سَوَاءٌ فِي مُسَمَّى الرَّفْعِ.
وَقِيلَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ التَّغْيِيرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": فَإِنْ قِيلَ: وَصْفُهُمُ الرِّيحَ بِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلْآثَارِ "وَالشَّمْسَ بِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلظِّلِّ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْمُزِيلَ لِلْآثَارِ وَالظِّلِّ"* هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا امْتَنَعَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي مَدْلُولِهِ، ثُمَّ نُعَارِضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَنَقُولُ: النَّسْخُ هُوَ: النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، وَمِنْهُ نَسَخَ الْكِتَابَ إِلَى كِتَابٍ آخَرَ، كَأَنَّكَ تَنْقُلُهُ إِلَيْهِ، أَوْ تَنْقُلُ حِكَايَتَهُ، وَمِنْهُ تَنَاسُخُ الْأَرْوَاحِ1، وَتَنَاسُخُ الْقُرُونِ، قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَتَنَاسُخُ الْمَوَارِيثِ، إِنَّمَا هُوَ التَّحَوُّلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى آخَرَ، بَدَلًا عَنِ الْأَوَّلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي النَّقْلِ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْإِزَالَةِ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَعَلَيْكُمُ التَّرْجِيحُ.
الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاسِخُ لِذَلِكَ، مِنْ حَيْثُ فِعْلِ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ الْمُؤَثِّرَيْنِ "فِي تِلْكَ الْإِزَالَةِ، وَيَكُونَانِ أَيْضًا نَاسِخَيْنِ، لِكَوْنِهِمَا مُخْتَصَّيْنِ بِذَلِكَ التَّأْثِيرِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إِنَّمَا أَخْطَئُوا فِي إِضَافَةِ النَّسْخِ إِلَى الشَّمْسِ وَالرِّيحِ"**.
فَهَبْ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنَّ مُتَمَسَّكَنَا إِطْلَاقُهُمْ لَفْظَ النَّسْخِ عَلَى الْإِزَالَةِ، لَا إِسْنَادُهُمْ هَذَا الْفِعْلَ إِلَى الرِّيحِ وَالشَّمْسِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ النَّقْلَ أَخَصُّ مِنَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ النَّقْلُ فَقَدْ عُدِمَتْ صِفَةٌ حَصَلَتْ عَقِيبَهَا صِفَةٌ أُخْرَى، فَإِذَا مُطْلَقُ الْعَدَمِ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ تَحَصُّلِ شيء آخر عقبية، وأنه دار اللَّفْظُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، كَانَ جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي الْعَامِّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْخَاصِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ اللُّغَاتِ. انْتَهَى.
وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَقَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ2 وغيرهم: هو الخطاب الدال على ارتفاع