فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْمَ تَبَادَرَ الذِّهْنُ إِلَى أَتْبَاعِهِمُ الْمَأْلُوفَةِ، فَذَكَرَ الْحِمَارَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لِذَلِكَ، هو فمستثنى تَقْدِيرًا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ من غير الجنس، ولكن بشترط أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِوَجْهٍ مَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ:

وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ1

فَالْيَعَافِيرُ قَدْ تُؤَانَسُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِهَا مَنْ يُؤَانَسُ بِهِ إِلَّا هَذَا النَّوْعُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، هَلْ وَقَعَ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا، فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَأَوَّلَهُ تَأْوِيلًا رَدَّهُ بِهِ إِلَى الْجِنْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.

وَقَالَ العضد في شرحه لـ"مختصر الْمُنْتَهَى": لَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي صِحَّتِهِ لُغَةً.

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا: هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا، فَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَهُ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ2: لَا يُنْكِرُ وُقُوعَهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا أَعْجَمِيٌّ.

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا: هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ عَلَى مَذَاهِبَ:

الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْخَبَّازِ3 عَنِ ابْنِ جِنِّي.

قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ، وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ لفظ الاستثناء على المستثنى "المتصل"* المنقطع هو بالاشتراك اللفظي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015