وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ* وَقَدْ تَقَدَّمَ 1 بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ.
فَتَقَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْهَمَانِ خِطَابَ التَّكْلِيفِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ.
وَأَمَّا لُزُومُ أَرْشِ2 جِنَايَتِهِمَا وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَمِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ، لَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، لَكِنَّهُ تَمْيِيزٌ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَأَيْضًا: وَرَدَ الدَّلِيلُ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ" 3.
وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي طُرُقِهِ مَقَالٌ، لَكِنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ طُرُقِهِ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ، وَبِاعْتِبَارِ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ، لِكَوْنِهِمْ بَيْنَ عَامِلٍ بِهِ، وَمُؤَوِّلٍ لَهُ، صَارَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: "مَنِ اخْضَرَّ مِئْزَرُهُ فَاقْتُلُوهُ" 4 وَأَحَادِيثُ: النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَبْلُغُوا كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَصَايَاهُ لِأُمَرَائِهِ، عِنْدَ غَزْوِهِمْ لِلْكُفَّارِ5، وأحاديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا