وَاخْتَلَفُوا هَلِ التَّكْلِيفُ بِهِ بَاقٍ حَالَ حُدُوثِهِ أَمْ لَا؟
فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشْعَرِيَّةِ: هُوَ بَاقٍ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجُوَيْنِيُّ: لَيْسَ بِبَاقٍ.
وَلَيْسَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِالْبَقَاءِ: أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِهِ؛ إِذْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَصْلًا، وَلَا أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا غَيْرَ حَاصِلٍ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ، وَلَا أَنَّ الْقُدْرَةَ مع الفعل، لاستلزمه أَنْ لَا تَكْلِيفَ قَبْلَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ، وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ مُكَلَّفٌ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ.
بَلْ مُرَادُهُمْ: أَنَّ التَّكْلِيفَ باقٍ عِنْدَ التَّأْثِيرِ لَكِنَّ التَّأْثِيرَ عَيْنُ الْأَثَرِ عِنْدَهُمْ.
وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّ الْفِعْلَ مَقْدُورٌ حَالَ حُدُوثِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْقُدْرَةِ فَيُوجَدُ مَعَهَا، وَإِذَا كَانَ مَقْدُورًا حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ إِلَّا عَدَمُ الْقُدْرَةِ وَقَدِ انْتَفَى.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْلِيفُ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ.
وَيُرَدُّ: بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ إِنَّمَا هُوَ إِيجَادُ الْمَوْجُودِ بِوُجُودٍ سَابِقٍ، لَا بِوُجُودٍ حَاصِلٍ.