...
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي عُمُومِ الْخِطَابِ بِمِثْلِ "يا أيها الناس ... "
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ بِمِثْلِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وَنَحْوِهَا مِنَ الصِّيَغِ يَشْمَلُ الْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعُمُّهُمْ شَرْعًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إن كان الخطاب في حقوق الله تعالى فَإِنَّهُ يَعُمُّهُمْ دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يَعُمُّهُمْ.
وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ خُرُوجُهمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ "لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ"* الْخِطَابِ عَنْهُمْ بِهَا، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ: إِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ اتِّبَاعًا لِمُوجِبِ الصِّيغَةِ، وَلَا يَخْرُجُونَ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَأْتِ الْقَائِلُونَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَا زَعَمُوهُ مِنْ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ بَعْضِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِمْ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ فَكَانَ كَالْمُخَصِّصِ لعموم الصيغة الشاملة لهم.