وَجَمْعُهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّهَا تَجْرِي فِي بَابِهَا مَجْرَى اسْمٍ مَنْكُورٍ "كَقَوْلِنَا: رَجُلٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، فَلَا يُصَارُ إِلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْإِبْهَامُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ"* كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك} 1 {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} 2، {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 3، وَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَلِقَرِينَةٍ تُخَصِّصُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ.
الْفَرْعُ الْعَاشِرُ:
نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشيئين كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة} 4، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَطَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ.
وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ.
اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ نَكِرَةٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ، وَكَذَلِكَ تُوصَفُ بِهَا النَّكِرَاتُ دُونَ الْمَعَارِفِ.
وَاسْتَدَلَّ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ" لِلْآخَرِينَ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ مُطْلَقًا -أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ- أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، أَوْ مِنْ بَعْضِهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهُمَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكْفِيَ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ الوجوه، والأول باطل، وإلا لوجوب إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، مِنْ كَوْنِهِمَا مَعْلُومَيْنِ، وَمَوْجُودَيْنِ، وَمَذْكُورَيْنِ، وَفِي سَلْبِ مَا عَدَاهُمَا عَنْهُمَا، وَمَتَى صَدَقَ عَلَيْهِ الْمُسَاوِي وَجَبَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُسَاوِي؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْعُرْفِ كَالْمُتَنَاقِضَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: هَذَا يُسَاوِي ذَاكَ، فَمَنْ أَرَادَ تَكْذِيبَهُ قال: لا يساويه، والمناقضان لا يصدقان معًا فوجب أن لا يصدق عَلَى شَيْئَيْنِ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، وَغَيْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في المساواة المساواة من كل الوجوه