فال: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يُؤَكَّدُ بِمَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ فِي أَصْلِهِ الاستغراق، أما أنه يؤكد فكقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون} 1 وَأَمَّا أَنَّهُ بَعْدَ التَّأْكِيدِ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَبِالْإِجْمَاعِ.
"الْوَجْهُ الثَّالِثُ"*: الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِذَا دَخَلَا فِي الاسم صار "بهما"** مَعْرِفَةً كَمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى مَا بِهِ تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ بِالصَّرْفِ إِلَى الْكُلِّ معلوم للمخاطب، فأما الصرف إلى ما دون فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَكَانَ مَجْهُولًا.
قَالَ: الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَيِّ وَاحِدٍ كَانَ مِنْهُ "ذَلِكَ"***.
وَذَلِكَ يُفِيدُ الْعُمُومَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّنْ حَكَى إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى إِفَادَةِ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعُمُومِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "التَّحْرِيرِ"، وَحَكَى أَيْضًا إِجْمَاعَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ وَلِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ الْمُعْظَمِ، وَصَاحِبُ "الْمِيزَانِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ السَّرَّاجِ النَّحْوِيِّ2، فَقَالَ: إِذَا تَعَارَضَ جِهَةُ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ يُصْرَفُ إِلَى الْجِنْسِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ قالا لأن الجنس يدخل تحته العهد، والعهد لا يدخل تحت الْجِنْسُ، وَرُوِيَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ مِنْ صِيغَتِهِ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ نَفْيِ الْمَعْهُودِ فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ.
قَالَ إِلْكِيَا الْهَرَّاسُ3: إِنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ وَلَيْسَتْ إِحْدَى جِهَتَيِ التَّعْرِيفِ بِأَوْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ، فَيَكْتَسِبُ اللَّفْظُ جِهَةَ الْإِجْمَالِ لِاسْتِوَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا. انْتَهَى.
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَحْثِ يَطُولُ جِدًّا فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ، وَأَهْلُ النَّحْوِ، وَأَهْلُ الْبَيَانِ، بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا إِلَّا بَيَانَ مَا هُوَ الْحَقُّ وَتَعْيِينَ الرَّاجِحِ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَمَنْ أَمْعَنَ