وَقَالَ سَلِيمُ الرَّازِيُّ1: إِنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ.

وَيُجَابُ عَنْهُمْ بِمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ أُولَئِكَ بَلِ الْجَوَابُ عَنْ هَؤُلَاءِ بِتِلْكَ الْأَجْوِبَةِ أَظْهَرُ لِعَدَمِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِي هَذَا الْفِعْلِ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ2 وَالرَّازِيُّ فِي "الْمَعَالِمِ"3، قَالَ الْقَرَافِيُّ4: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِهِمُ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْدُوبٌ

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي"الْبَحْرِ": وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنِ الصَّيْرَفِيِّ وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ5: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قُلْتُ: هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِقُرْبَةٍ، وَأَقَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ هُوَ الْمَنْدُوبُ، وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى النَّدْبِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فإن الإباحة الشَّيْءِ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ طَرَفَيْهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ. فَالْقَوْلُ بِهَا إِهْمَالٌ لِلْفِعْلِ الصَّادِرِ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ تَفْرِيطٌ كَمَا أَنَّ حَمْلَ فِعْلِهِ المجرد على الوجوب إفراط الحق بين المقصر والغالي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015