بَعُد، كما يسمعه من قرُب، أنا الملك، أنا الديان))، رواه الأئمة، واستشهد به البخاري. وفي بعض الآثار أن موسى - عليه السلام - ليلة رأى النار فهالته وفزع منها، ناداه ربه: ((يا موسى))، فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت؛ فقال: ((لبيك، لبيك، أسمعُ صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت))؟ فقال: ((أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك))، فعَلِم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: ((فكذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك))؟ قال: ((بل كلامي يا موسى)).
الشرح
قوله: ((ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم)): استَظْهِر من كلام المصنف -رحمه الله- أنه ينحو منحى السالمية، فإنهم يقولون: أن كلام الله حروف وأصوات لكنها قديمة، فكلامه لا تتعلق به المشيئة، وإنما المشيئة تتعلق بإسماعه، فيُسمع كلامه القديم من شاء، فموسى إنما سمع كلام الله القديم، وهو قائم به على حد زعمهم، فهو مثل حياته وسمعه وبصره، قائم به لم يزل موصوفاً بهذا الكلام.
والمذهب الحق الذي هو موجب العقل والنقل والسمع: أن كلام الله قديم النوع، حادث الآحاد، أي: أن الله لم يزل يتكلم بما شاء، إذا شاء، كيف شاء، وأما آحاد الكلام فهي في أوقات تابعة للمشيئة، فخطاب الله لموسى كان في وقته عند مجيئه لميقات ربه، ونادى الأبوين حين أكلا من الشجرة، وخطابه للناس يوم القيامة سيكون، فالله نادى وينادي، وقال ويقول،