عمِلُوا الْحَسَنَات إِلَى قِيَامَة الْحَيَاة وَالَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات إِلَى قِيَامَة الدينونة انْتهى وَفِي الْفَصْل السَّادِس عشر مِنْهُ مَا لَفظه يكون لَهُ الْحَيَاة المؤبدة وَأَنا أقيمه فِي الْيَوْم الآخر وَفِي الْفَصْل السَّابِع عشر مِنْهُ مَا لَفظه الْحق وَالْحق أَقُول لكم إِنَّه من يُؤمن بحياة دائمة انْتهى
إِذا عرفت هَذَا الْمُصَرّح بِهِ فِي الأناجيل فَهَكَذَا صرح الحواريون من أَصْحَاب الْمَسِيح فِي رسائلهم الْمَعْرُوفَة
وَالْحَاصِل أَن هَذَا أَمر اتّفقت عَلَيْهِ الشَّرَائِع ونطقت بِهِ كتب الله عز وَجل سابقها ولاحقها وتطابقت عَلَيْهِ الرُّسُل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ وَلم يُخَالف فِيهِ أحد مِنْهُم وَهَكَذَا اتّفق على ذَلِك أَتبَاع جَمِيع الْأَنْبِيَاء من أهل الْملَل وَلم يسمع عَن أحد مِنْهُم أَنه أنكر ذَلِك قطّ وَلكنه ظهر رجل من الْيَهُود زنديق يُقَال لَهُ مُوسَى بن مَيْمُون الْيَهُودِيّ الأندلسي فَوَقع مِنْهُ كَلَام فِي إِنْكَار الْمعَاد وَاخْتلف كَلَامه فِي ذَلِك فَتَارَة يُثبتهُ وَتارَة يَنْفِيه ثمَّ هَذَا الزنديق لم يُنكر مُطلق الْمعَاد إِنَّمَا أنكر بعد تَسْلِيمه للمعاد أَن يكون فِيهِ لذات حسية جسمانية بل لذات عقلية روحانية ثمَّ تلقى ذَلِك عَنهُ من هُوَ شَبيه بِهِ من أهل الْإِسْلَام كَابْن سينا فقلده وَنقل عَنهُ مَا يُفِيد أَنه لم يَأْتِ فِي الشَّرَائِع السَّابِقَة على الشَّرِيعَة المحمدية إِثْبَات الْمعَاد وتقليدا لذَلِك الْيَهُودِيّ الملعون الزنديق مَعَ أَن الْيَهُود قد أنكرو اعليه هَذِه الْمقَالة ولعنوه وسموه كَافِرًا
قَالَ فِي تَارِيخ النَّصْرَانِي فِي تَرْجَمَة مُوسَى بن مَيْمُون الْمَذْكُور أَنه صنف رِسَالَة فِي إبِْطَال الْمعَاد الجسماني وَأنكر عَلَيْهِ مقدمو الْيَهُود فأخفاها إِلَّا عَمَّن يرى رَأْيه قَالَ وَرَأَيْت جمَاعَة من يهود بِلَاد الإفرنج بأنطاكية وطرابلس يلعنونه ويسمونه كَافِرًا انْتهى