قبل بيان وجوه الاستفادة من آراء ابن الجوزي بشأن الطبيعة البشرية، لابدّ من تأكيد أن الإنسان هو محور العملية التعليمية والتربوية، وحتى تتحقق الغاية من وجوده، لابد من توجيهه الوجهة الصحيحة التي تتناسب مع ما لديه من ميول ودوافع ورغبات واستعدادات وقدرات، ولن يتم هذا التوجيه كما قال أحد الباحثين إلا "بمعرفة ما في الداخل من حقائق وأجهزة وطاقات وآلات محركة وموجهة، ليستطيع الإنسان أو المربي تحريك الإنسان وتوجيهه كيفما يشاء وحيثما يريد، ولهذا كانت الأسباب الرئيسية في إخفاق النظريات التربوية في تحقيق أهدافها، ترجع ضمن ما ترجع إليه إلى أنها بعيدة عن طبيعة الإنسان الداخلية أو يكون السبب جهلها وخطأ تصورها للحقائق الداخلية لهذه الطبيعة من الجوانب المختلفة. ولهذا نجد الإسلام يعطي تصورًا كاملًا لحقيقة طبيعة تكوين الإنسان، كما يلقي بعد ذلك أضواءً كاشفة عن أغوار هذه الطبيعة، ثم كان توجيهه وفقًا لذلك التصور الكامل ووفقًا لتلك المعرفة الكاملة للجوانب الداخلية لهذه الطبيعة. . . . وهذه المعرفة معرفة خالق هذه الطبيعة (?). ثم أكد الباحث ذلك يقول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (?).
ومن خلال هذه التصورات للطبيعة الإنسانية كما خلقها الله تعالى، يستطيع المخططون تحديد الأهداف العامة والخاصة للتعليم بمراحله المختلفة وفقًا لهذه التصورات، ثم وضع المناهج التعليمية المناسبة لهذه القدرات والميول والاستعدادات، وما يناسبها من وسائل وأساليب تربوية، وما يتبعها من نظم ولوائح إدارية تنظم كل ما يتعلق بالناحية التعليمية والتربوية، بدءًا من المعامل والأجهزة والإمكانات البشرية، إلى المقررات والوسائل وأنظمة الامتحانات .. الخ.
كل ذلك .. يوظف لخدمة الإنسان وتربيته وتعليمه التعليم المناسب الذي يحقق الأهداف المرجوة منه، وفق المنهج التربوي الإِسلامي. وهذا