حيث تأثيرها وتأثرها بها. وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي: "وليس مرادي بالرفق الإكثار من الشهوات، وإنما أعني أخذ البلغة الصالحة للبدن، فحينئذٍ يصفو الفكر، ويصح العقل، ويقوى الذهن" (?). وقوله محاورًا نفسه في أسلوب رائع: "ولا تتعرضي لمصالح البدن، بل وفريها عليه، وناوليه إياها على قانون الصواب لا على مقتضى الهوى، فإن إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين" (?).

التربية الجسمية تشمل الاستجابة السوية للدافع إلى الطعام والشراب والجنس، كما تعنى بالاستشفاء من المرض والنظافة والرياضة، وتكوين البصيرة بالأمور الصحية، والتنشئة عليها، وتكوين الحصانة ضد الأمراض، وهذه الأمور اعترف بها المنهج التربوي الإِسلامي كطاقات حيوية في الكيان البشري. وعمل على تهذيبها وتوجيهها وإعلائها، وجعلها وسيلة متعةٍ وتعبد معًا، للوصول بها إلى الغاية الكبرى، وهي تساعد على تحقيق العبودية المطلقة لله تعالى عن طريق أنواع العبادات، وخدمة عباد الله، والرقي بالأمة والذود عن حماها خالصًا لوجهه تعالى.

أولًا: رأي ابن الجوزي في دافع الطعام

يرى ابن الجوزي أن الله تعالى أوجد شهوة الطعام في الإنسان لحكمةٍ جليلةٍ، وغايةٍ نبيلةٍ وهي عبادته جل جلاله كما أمر، وفي ذلك يقول: "وأما المطعم فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله -عز وجل-، وحق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله" (?).

وقد بيَّن ابن الجوزي أهمية العناية بالجسم الإنساني، حتى يستطيع أن يقوم بالعبودية المطلقة لله تعالى، فقال: "البدن مطية، والمطية إذا لم يرفق بها لم تصل براكبها إلى المنزل" (?). وهذه العناية تتمثل في إشباع حاجة الإنسان للطعام باعتدالٍ دون إسرافٍ أو تقتير قال الله تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015