وقد ضرب ابن الجوزي مثالين لذلك فقال: في الحديث أن نوحًا -عليه السلام- لبث في بيت شعر ألف سنة إلا خمسين عامًا. وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وضع لبنة على لبنة (?) وهذا القول الأخير مخالف لما ورد من بنائه - صلى الله عليه وسلم - بيوت نسائه إلى جانبيه -مسجد قباء- بيوت الحجر باللبن، وسقفها بالجذوع والجريد، بعد بنائه المسجد (?).
ثم نصح ابن الجوزي بطريقة غير مباشرة إلى أهمية أن يدرك الإنسان العاقل، أن الدنيا مطية المؤمن للدار الآخرة، وأن الحياة قصيرة .. والعمر زائل، وأنه مهما قصرت حياته أو طالت .. فلابد من الرحيل إلي دار الإقامة، فإذا فهم الإِنسان حقيقة الدنيا والغاية من وجوده، ووظيفته منها، فإنه حينئذ يقنع من الثياب بما يواريه، ومن البنيان بما يؤويه ووعى حديث رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -: "من أصبح منكم آمنًا في سربه, معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" (?).
توجيه الدافع:
وحتى يؤتي علاج ابن الجوزي ثمرته في النفس البشرية، فإنه وجَّه إلى أهمية النظر في العلم والتأمل في سير العلماء والعقلاء (?)، وهذان العلاجان مفيدان في الشفاء من مرض الشره، فعن طريق العلم الإسلامي الذي يوضح المقاصد الحقيقية للشريعة الإِسلامية وما فيها من أحكام ومعاملات وآداب، يدرك المرء الحكمة من المتاع الدنيوي المباح، والطريقة الصحيحة لإشباعه من دون إسراف أو تقتير. ويثبت هذا العلم في النفس البشرية الاقتداء بسلوك العلماء العاملين المخلصين الملتزمين