ولا محلها. ولا يُفهم من أين جاءت، ولا يُدرَى أين تذهب ولا كيف تعلقت بهذا الجسد وهذا كله يوجب عليها أن لها مدبرًا وخالقًا وكفى بذلك دليلًا عليه" (?).
ومع أن الله تعالى هو خالق البشر وموجدهم، فإنه لم يخلقهم عبثًا، بل خلق الإنسان لأمر عظيم يتجلى في عبادته المطلقة له، فهو "مطالب بمعرفة خالقه بالدليل، ولا يكفيه التقليد" (?) حتى يستشعر عظمة الله تعالى من خلال مخلوقاته في الكون والنفس ويعبده وهو أعلم بقَدْرِه وسلطانه وجلاله، فيدفعه ذلك لإقامة المطالب الشرعية التي أوجبها الله عليه، واجتناب المحارم (?)، ولن يقوم بعبوديته الكاملة لله تعالى إلا إذا وقر الإيمان في قلبه وأدرك عظم مسؤوليته وأنه محاسب أمام الله تعالى على أداء ما وكل إليه أو التفريط فيه.
اهتم المربون قديمًا وحديثًا بمعرفة الطبيعة الإنسانية باعتبارها موضوع التربية التي تهتم بصناعة الإنسان، وبقدر معرفَة الصانع أو جهله بموضوعها فإنه سوف ينجح أو يخفق فيها. وقد أدرك ابن الجوزي أهمية معرفة طبيعة خلق الإِنسان في التربية، ففصَّل في هذا الموضوع موضَّحًا أن الإنسان مخلوق متميز بكل صفات الكمال البشري المحدود، فسبحان الله الذي "أنشأ الأبدان من النطف، وحفظ فيها المهج (?)، ونوَّر العيون فأحسن في تركيبها الدعج (?)، وأنطق اللسان، فأبان سبل المراد ونهج،