وإنما أدرك هذا حارثة بمجاهدات النفس؛ ألا ترى إلى قوله: عزفت نفسي عن شهوات الدنيا ولذاتها. فهذا قطع الهوى، فإذا قطعه هداه الله طريقه، فإذا نظر صار كأنه يراه بلا كيف؛ وهكذا وعد في كتابه، فقال: (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا). فإذا هداه طريقه، لم يبق على قلبه حجاب للشهوة والهوى، لأنه فتح طريق قلبه إليه، فحينئذ يمكنه السكون إليه، ويطمئن القلب، ويثق بوعده، ويأتمنه على نفسه، ألا ترى إلى قول الرسول حيث حكى عنهم، وقالوا: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبيلنا). . . الآية. فأخبروا أنهم إنما قدروا على التوكل، وهو تفويض أمر النفس إليه، بأنه هداهم لسبيله، فزال الحجاب، أعني الهوى والشهوات عن بصر القلب، فلم يبق بين يدي قلوبهم شيء يحجبهم، فصارت الأمور لهم كالمعاينة والمشاهدة. ألا ترى