قال له قائل: كيف يكون هذا؟ قال: هذا عبد قد يسره، وولي سياسته، وحفظه ورعايته، واستعمله، فكان في صنعه، قد أمات فيه الشهوات، ويسر عليه الصعاب، وبسط له النور، ومد له في الأسباب، وألهمه وفهمه، وصيره من أولي الألباب، فإن نطق نطق بحكمة، وإن أنصت أنصت بفكرة، وإن نظر نظر بعبرة، وإن مشى مشى بهيبة، وإن بطش بطش بغلبة، قد منع قلبه من التفكير، وسلب في الأمور التدبير. وهذا كله موجود تحققه في الكتاب والخبر.
فأما في الكتاب فشأن الخضر عليه السلام، حرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، فلو عمل في الظاهر ما قدر على ذلك؛ ثم قال في آخر أمره: (وما فعلته عن أمري). فهذا من الله في الباطن، الذي يؤتيه من يشاء، وقد قال في ذكره له: (فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا، وعلمنا من لدنا علماً). فقد