أفلا ترى أنه قال: إذا غلبت شهوات الدنيا حييت، لأن القلب إذا كان في ظلمة الهوى وغفلته، كان كالميت، وليس بالميت، لأن الميت قلب الكافر، وقلب الغافل كالميت، وليس به حياة، وقال: إذا فعلت هذا بلغت علم اليقين. فعلم اليقين أن تعبده سبحانه كأنك تراه، وكذلك وصف الله تعالى علم اليقين في تنزيله، فقال: (كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم)، فأخبر تعالى: أن بعلم اليقين ترى الأشياء (ثم لترونها): أي غدا، يعني الجحيم، (عين اليقين). فهذا حق الجهاد؛ وأما الآخر فإنه رجل أراد مجاهدة نفسه، فصام أياماً، ثم ترك، واجتنب بعض الشهوات، وتناول بعضاً،
وحزن مرة، وفرح أخرى، وبكى يوماً، وضحك أياماً، وصام وصلى، وساح مرة هكذا ومرة هكذا، وحمل على نفسه مؤناً كثيرة، وأتعب نفسه من طريق أنواع البر، من سهر الليل، والحج، والجهاد،