وأقبلت الآخرة بحقائقها، من البكاء والأحزان والاستكانة والصلاة والصيام والذكر والقرآن وأعمال البر، فشغل عن الأهل والولد، وعن التلذذ بقربهم، والأنس بهم، فصار الولد يتيماً، والأهل كالأرملة، والمسكن وحشاً، وتعطلت الأوقات التي كان يتلذذ فيها عند الغداء والعشاء، وتبدل بها جوعاً ويبساً، وبالضحك بكاء، وبالفرح حزناً، وبالسرور غموماً، وبالراحة نصباً، وبالنوم سهراً، وبالدعة تعباً وضيقاً، وبالغنى فقراً، وبالعز ذلاً، وبالمدح ذماً، وبالثناء طعناً وعيباً، فلم تسلم نفس ولا مال ولا جاه ولا قدر إلا ذهب كله، فهذا قتيل الله قد تبددت نفسه وشهواته ومناه، وصار هواه
كالقتيل، فتخلص روحه عن هواه، فتقبل الله روحه، وأحيا قلبه، ورزقه من حيث لا يحتسب، ووصل بقلبه إلى إلهه، ففرح واستبشر، فقلبه عنده فرح مستبشر حي؛ فمن هاهنا برّز الصدّيق على الشهيد، لأن الشهيد احتسب بنفسه على الله تعالى مرة واحدة، حتى قتل،