ادب الموعظه (صفحة 59)

النفوس، كما قال ـ تعالى ـ في شأن الجهاد: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ} .

ثم بين ـ عز وجل ـ ثقله على النفوس بقوله: {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} .

ثم بين أن المكروه قد يكون هو الخير فقال: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] .

وبين أن الدعة وترك الجهاد محبوب للنفوس، ولكن ذلك المحبوب قد يكون شرا، فقال: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] .

ومن حسن السياسة ـ أيضا ـ ألا يجهر الواعظ ـ أحيانا ـ برأيه الصريح في صدر مقاله، خصوصا إذا كان يريد طرح أمر لم يألفه الناس.

وإنما يبتدئ بما يخف على المخاطبين سماعه من المعاني الحائمة حول الغرض، ثم يعبر عن المراد بلفظ مجمل، ويدنو من إيضاحه شيئا فشيئا؛ حتى لا يفصح عنه إلا وقد ألفته نفوسهم، وهدأت له خواطرهم.

وعلى هذه الطريقة جرى ذلك المؤمن من آل فرعون؛ فقد كان يكتم إيمانه، وهو يحب أن يظهره، ويدعو قومه إلى مثله، وكان يخشى ـ من التصريح بعقيدته ـ بادرة غضبهم، أو انتقامهم منه، حتى اغتنم وقت إجماعهم على قتل موسى ـ عليه السلام ـ فرصة، وقام ينكر عليهم هذه المؤامرة المخزية، وتخلص إلى أن دعاهم إلى الإيمان بما بعث به هذا الرسول دعوة ظاهرة.

قال ـ تعالى ـ {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر:28] .

فقد فاتحهم بالإنكار على قتله وهو لا يدل على أنه مصدق برسالته؛ إذ قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015