في أمر مجمل فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} [البقرة:183] .
وذكر أن هذا النوع من القربة قد فرض على الأمم السالفة، فقال ـ تعالى ـ: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] .
فهو عمل مألوف، وشريعة غير خاصة، وفي هذه التذكرة ما يدخله في قبيل السنن الجارية، ويجعله أمرا هينا.
ثم أشعرهم بأن أيامه في الحساب قليلة فقال ـ تعالى ـ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] .
وبعد أن هيأ النفوس لقبول فريضته قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] .
وجرى التنزيل على هذه السنة عند الترغيب في أمر صعب المركب، شديد الأثر على النفس، وهو الصبر على الأذى، ومقابلة الإساءة بالعفو؛ فأمر بالعدل في المجازاة، ونهى عن تجاوز المثل في العقوبة، فقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] ثم بين قوله ـ تعالى ـ: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] أن الأكمل لهم الإغضاء عن السيئة، وترك المؤاخذة عليها، فالصفح عن الأذى ـ مع القدرة على الانتقام ـ ضرب من الكرم، ومظهر من مظاهر الرحمة، وأخذ بالعزيمة الراشدة.
ثم قال ـ تعالى ـ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] فرغّب في الصبر بطريق أبلغ؛ إذ وجّه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أسرع الناس إلى الاستقامة على الطريقة؛ فيجدون من سنة التأسي به نشاطا للطاعة، وباعثا على التجمل بالصبر، وإن ثقلت على النفوس وطأته.
ومن هذا القبيل تذكير الناس بعاقبة العمل الصالح وإن كان شاقا على