ادب الموعظه (صفحة 50)

العتاب".

وشكى إليه رجل رجلا حين كان يطيل بهم صلاة الغداة، فاشتد غضبه صلى الله عليه وسلم ولكنه احتفظ بعبارته الجميلة؛ فلم يخاطب الذي كان يطيل على التعيين، بل عمم الموعظة وقال: "أيها الناس إن منكم منفرين؛ فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، وذا الحاجة" 1.

هذا هو الأصل في تعميم الموعظة، وصرف الإنكار إلى غير معين.

أما إذا احتيج إلى أن يكون الإنكار على وجه التعيين فلا بأس في ذلك، وإن كان ذلك لا يسوغ من كل أحد، ولا في حق كل أحد؛ إذ لا يسوغ إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك، ولا يسوغ إلا ممن له منزلة، ومكانة، وكلمة مطاعة.

ولهذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه على وجه التعيين.

جاء في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل، فسلم، ثم صلى وحده، وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا، والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: "يا معاذ! أفتان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا".

وفي رواية: "يا معاذ! أفتان أنت ـ ثلاثا ـ اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، ونحوهما".

وفي رواية: "فتان، فتان، فتان" ثلاث مرار أو قال: "فتانا، فتانا، فتانا" 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015