لأن حال الموعظة غير حال الرد، والمناظرة، والمجادلة.
ومع ذلك قد يحتاج إلى الشدة وذلك في حالات خاصة، ومن أناس مخصوصين، وفي حق من يستحق ذلك؛ فإذا كان الواعظ ذا مكانة، وكان المقام يقتضي الشدة، ولم يترتب على ذلك مفسدة ـ أخذ بهذا الأسلوب.
ولهذا كان موسى ـ عليه السلام ـ متلطفا مع فرعون غاية التلطف في بداية الأمر ـ كما مر قريبا ـ وعندما رأى من فرعون العناد والاستكبار ومحاولة الصد عن الهدى من بعد ما تبين له ـ أغلظ له في الخطاب كما في قوله ـ تعالى ـ: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102] .
فأين هذا الخطاب من الخطاب الأول؟
وكما في قوله ـ تعالى ـ {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] .
وكما قال إبراهيم ـ عليه السلام ـ لقومه: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 67] .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بهذا الأسلوب عند الحاجة إليه.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين في قصة المرأة المخزومية التي سرقت، فعن عائشة رضي الله عنها ـ أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت؛ فقالوا: ومن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يتجرأ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ ".
ثم قام فخطب، قال: "يا أيها الناس! إنما أضل من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة