وَمن الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الْإِنْصَاف مَا يَقع من المنافسة بَين المتقاربين فِي الْفَضَائِل أَو فِي الرِّئَاسَة الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة فَإِنَّهُ إِذا نفخ الشَّيْطَان فِي أنفهما وترقت المنافسة بلغت إِلَى حد يحمل كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَن يرد مَا جَاءَ بِهِ الآخر إِذا تمكن من ذَلِك وَإِن كَانَ صَحِيحا جَارِيا على مَنْهَج الصَّوَاب
وَقد رَأينَا وَسَمعنَا من هَذَا الْقَبِيل عجائب صنع فِيهَا جمَاعَة من أهل الْعلم صَنِيع أهل الطاغوت وردوا مَا جَاءَ بِهِ بَعضهم من الْحق وقابلوه بالجدال الْبَاطِل والمراء الْقَاتِل
وَإِنِّي لأذكر أَيَّام اشْتِغَال الطّلبَة بالدرس عَليّ فِي كثير من الْعُلُوم وَكنت أُجِيب عَن مسَائِل ترد عَليّ يحررها الطّلبَة ويحررها غَيرهم من أهل الْعلم من أمكنة قريبَة وبعيدة فَكَانَ يتعصب على تِلْكَ الْأَجْوِبَة جمَاعَة من المشاركين لي فِي تدريس الطّلبَة فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد وَغَيرهَا
وَقد يسلكون مسلكا غير هَذَا فَيَقَع مِنْهُم الإيهمام على الْعَوام بمخالفة ذَلِك الْكَلَام لما يَقُوله من يَعْتَقِدُونَ قَوْله من الْأَمْوَات فينشأ عَن ذَلِك فتن عَظِيمَة وحوادث جسيمة
وَكَانَ بعض نبلائهم يكْتب على بعض مَا أكتبه ثمَّ يهديه إِلَى السَّائِل وَإِن كَانَ فِي بلد بعيد من دون أَن يَقْصِدهُ بسؤال وَلَا طلب مِنْهُ تعقب مَا أجبْت بِهِ من الْمقَال وَقد أَقف على شَيْء من ذَلِك فأجده فِي غَايَة من الإعتساف فأتعقبه تعقبا فِيهِ كشف عواره وإيضاح بواره وَقد يَنْضَم إِلَى ذَلِك كَلِمَات والاستشهاد بِأَبْيَات اقتضاها الشَّبَاب والنشاط واشتعال الْغَضَب لما أرَاهُ من التعصب والمنافسة على مَا لَيْسَ فِيهِ اخْتِيَار فَإِن وُرُود سُؤَالَات السَّائِلين إِلَيّ من الْعَامَّة والخاصة وانثيال المستفتين من كل جِهَة لم يكن بسعي مني وَلَا احتيال وَكَذَلِكَ اجْتِمَاع نبلاء الطّلبَة لدي وَأَخذهم عني وتعدد دروسهم عِنْدِي لَيْسَ لي فِيهِ حِيلَة وَلَا هُوَ من جهتي