من معدنه ورام نيل الرشد من موطنه فَكَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الأشغال من الْأجر مَا لطلبة علم الشَّرْع لِأَنَّهُ قد جهد نَفسه فِي الْأَسْبَاب وَلم يفتح لَهُ بَاب
فَانْظُر كم بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الْمسَافَة الطَّوِيلَة فَإِن طَالب الرشد بِغَيْر الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة لَا يَأْمَن على نَفسه بعد الْوُصُول إِلَى مَطْلُوبه من أَن يكون صنعه كصنع الْخَوَارِج فِي خسرانهم بِمَا ظنوه ربحا ووقوعهم فِي الظلمَة وَقد كَانُوا يظنون أَنهم يلاقون صبحا لأَنهم خالفوا الطَّرِيقَة الَّتِي أرشد الله إِلَيْهَا عباده وَأمرهمْ بسلوكها
وَإِذا كَانَ هَذَا الْأَمر مجوزا فِي طلبة الْخَيْر من غير طَرِيق الشَّرْع كصلحاء الصُّوفِيَّة اللَّذين لَا رَغْبَة لَهُم فِي غير تَهْذِيب أَخْلَاقهم على وَجه يُوجب زهدهم فِيمَا ترغب النُّفُوس إِلَيْهِ وتتهالك الطبائع البشرية عَلَيْهِ فَمَا ظَنك بِمن كَانَ من متصوفة الفلاسفة الَّذين يدورون بمرقعاتهم وأبدانهم القشفة وثيابهم الخشنة ووجوههم المصفرة حول مَا يَقُوله الفلاسفة من تِلْكَ المقالات الَّتِي هِيَ ضد الشَّرْع وَخلاف لَهُ وينهقون عِنْد إِدْرَاك شئ من تِلْكَ المعارف الشيطانية نهيقا مُنْكرا ويسمون ذَلِك حَالا وَهُوَ عِنْد التَّحْقِيق حَال حَائِل عَن طَرِيق الدّين وخيال مائل عَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ
وللرد على هَؤُلَاءِ جمعت الرسَالَة الَّتِي سميتها الصوارم الْحداد هِيَ من المجموعات الَّتِي جمعتها فِي أَيَّام الحداثة وأوائل الشَّبَاب
وَبعد هَذَا كُله فلست أَجْهَل أَن فِي رجال هَذِه الطَّائِفَة الْمُسَمَّاة بالصوفية من جمع الله لَهُ بَين الْمُلَازمَة لهَذِهِ الشَّرِيعَة المطهرة وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية والصراط الإسلامي مَعَ كَونه قد صَار من تصفية بَاطِنه من كدورات الْكبر وَالْعجب والحسد والرياء وَنَحْوهَا بِمحل يتقاصر عَنهُ غَيره ويعجز عَنهُ سواهُ
وَلَكِنِّي فِي هَذَا المُصَنّف بِسَبَب الْإِرْشَاد إِلَى الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة والتنفير عَمَّا عداهما كَائِنا مَا كَانَ فلست أحب لمن أَرَادَ الْقرب إِلَى الله والفوز بِمَا لَدَيْهِ وَالظفر بِمَا عِنْده أَن يتسبب إِلَى ذَلِك بِسَبَب خَارج عَنْهُمَا من رياضة أَو مجاهدة أَو خلْوَة أَو مراقبة أَو يَأْخُذ عَن شيخ من شُيُوخ الطَّرِيقَة الصُّوفِيَّة شَيْئا من الاصطلاحات الموصلة إِلَى الله عِنْدهم بل يطْلب علم الْكتاب وَالسّنة ويأخذهما عَن الْعلمَاء المتقنين لَهما المؤثرين لَهما على غَيرهمَا المتجنبين لعلم الرَّأْي وَمَا يُوصل إِلَيْهِ النافرين عَن التَّقْلِيد وَمَا يحمل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك سلك مَسْلَك النُّبُوَّة وظفر بهدى الصَّحَابَة وَسلم من الْبدع كائنة مَا كَانَت فَعِنْدَ ذَلِك يحمد مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بِخَير أولاه وأخراه
تمّ بِحَمْد الله