ُ 115 اقْتِصَاره فِي الْبَحْث وَالنَّظَر على ذَلِك الْكتاب الَّذِي أَلفه ذَلِك المعتصب وإحسان الظَّن بِهِ وغفوله عَن أَن مَوَاطِن الْأَدِلَّة هِيَ مجاميع الحَدِيث كالأمهات وَمَا يلْتَحق بهَا وَأَن هَؤُلَاءِ هم أهل الْعلم وأربابه الَّذين يعْرفُونَ صَحِيحَة من فاسده كَمَا قدمنَا الْإِشَارَة إِلَى هَذَا
وَلَا بَأْس بِأَن ينظر طَالب الْحق فِي كتب الْعلمَاء الْمَشْهُورين بالإنصاف الَّذين لم يتعصبوا لمَذْهَب من الْمذَاهب وَلَا انتسبوا إِلَى عَالم من الْعلمَاء فَإِنَّهُ يَسْتَفِيد بمطالعة مؤلفات المصنفين كَيْفيَّة الْعَمَل عِنْد التَّعَارُض ويهتدي إِلَى مواقع التَّرْجِيح ومواطن مَا يحِق الِاجْتِهَاد على الْوَجْه المطابق
وَهَكَذَا كتب الْكَلَام وأصول الْفِقْه فَإِن كل طَائِفَة تصنع هَذَا الصنع فِي الْغَالِب فتصف مَا يُوَافق مذهبها بالحجج القواطع والأدلة الراجحة وتطفف للمخالف فتورد لَهُ مَا لَا يعجزون عَن جَوَابه وَدفعه ويتركون مَا لَا يتمكنون من دَفعه وَقد يذكرُونَهُ على وَجه فِيهِ مدْخل للدَّفْع ويلصقون بِهِ مَا يفتح فِيهِ أَبْوَاب الْمقَال
فليحذر المُصَنّف من الركون على مَا يُورِدهُ المتذهبون لأَنْفُسِهِمْ ولخصومهم من الْحجَج فَإِنَّهُ قد علق بِكُل طَائِفَة من الْعَدَاوَة لِلْأُخْرَى مَا يُوجب عدم الْقبُول من بَعضهم فِي بعض
وَبِالْجُمْلَةِ فليبس المتعصب بِأَهْل لِأَن يُؤْخَذ الْحق من مؤلفاته فَإِذا إِذا لم ينْتَفع بِالْعلمِ ويهتدي بِمَا علف مِنْهُ فَكيف يَهْتَدِي بِهِ غَيره أَو يتَوَصَّل بِمَا جمعه إِلَى مَا هُوَ الْحق فالمصاب بالعمى لَا يَقُود الْأَعْمَى فَإِن فعل كَانَت ظلمات بَعْضهَا فَوق بعضه وَالْمَرِيض لَا يداوي من هُوَ مصاب مثل مَرضه وَلَو كَانَ صَادِقا فِيمَا يزعمه من اقتدار على المداواة كَانَت نَفسه الَّتِي بَين جَنْبَيْهِ أَحَق بِذَاكَ مِنْهُ