فَهَذَا الَّذِي نجده فِي دِيَارنَا هَذِه يخْتَلف باخْتلَاف الْمُشَاركَة الْمَذْكُورَة فَمن تلاعب بِهِ الشَّيْطَان وَلم يزل يَنْقُلهُ من دَرَجَة إِلَى دَرَجَة حَتَّى وصل بِهِ إِلَى الرَّفْض البحت كَمَا تشاهده فِي جمَاعَة فَلَا مطمع فِي كَفه عَن الطعْن والثلب لخير الْقُرُون فضلا عَن أهل عصره وَلَيْسَ يفلح من كَانَ هَكَذَا وَلَا يرجع إِلَى حق وَلَا ينْزع عَن بَاطِل فَإِن تظاهر بالإنصاف والإقلاع عَن الْبِدْعَة والتلبس بِالسنةِ فالغالب أَن ذَلِك يكون لجلب مصلحَة لَهُ دنيوية أَو دفع مفْسدَة يخْشَى ضررها وَلَا يَصح إِلَّا فِي أندر الْأَحْوَال فالهداية بيد الله يهدي من يَشَاء
وَقد شاهدنا من خضوع هَؤُلَاءِ لأطماع الدُّنْيَا وَإِن كَانَت حقيرة مَا لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ فَإِنَّهُ لَو طلب مِنْهُ بعض أهل الدُّنْيَا أَن يخرج من مذْهبه لَكَانَ سريع الْإِجَابَة قريب الانفعال حَتَّى ينَال ذَلِك الْغَرَض الدنيوي وَهُوَ لَا محَالة رَاجع إِلَى مَا كَانَ فِيهِ
وَمن كَانَ دون هَذَا فَهُوَ أقل ضَرَرا مِنْهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهله ولنفسه وَأقرب إِلَى الْإِنْصَاف ثمَّ من كَانَ أقل تلبسا بِهَذِهِ الْبِدْعَة كَانَ أقل شرا وأخف ضرا وَهُوَ يرجع عَنْهَا إِذا طلب الْعلم ومارس فنونه وَعَكَفَ على علم الحَدِيث فَإِن لم يكن متأهلا لطلب الْعُلُوم فليلزم أَهله المتصفين بالإنصاف العارفين بِالْحَقِّ المهتدين بهدى الدَّلِيل
وَقد شاهدنا كثيرا فَمن كَانَ كَذَلِك يقْلع عَنهُ وتنحل من عقد مَا قد أَصَابَهُ عقدَة بعد عقدَة حَتَّى تصفو وَتذهب مَا تكدرت بِهِ فطرته وَيدخل إِلَى الْحق من أبوابه بِحَسب استعداده وبقدر فهمه
وَمن آفَات التعصب الماحقة لبركة الْعلم أَن يكون طَالب الْعلم قد قَالَ بقول فِي مَسْأَلَة كَمَا يصدر مِمَّن يُفْتِي أَو يصنف أَو يناظر غَيره ويشتهر ذَلِك القَوْل عَنهُ فَإِنَّهُ قد يصعب عَلَيْهِ الرُّجُوع عَنهُ إِلَى مَا يُخَالِفهُ وَإِن علم أَنه