خَاصَّة وَمِنْهُم من يتْرك التَّكَلُّم بِالْحَقِّ والإرشاد إِلَيْهِ مَخَافَة الضَّرَر من تِلْكَ الدولة وَأَهْلهَا بل وعامتها فَإِنَّهُ لَو تكلم بشئ خلاف مَا قد علمُوا عَلَيْهِ ونشروه فِي النَّاس لخشى على نَفسه وَأَهله وَمَاله وَعرضه وَمِنْهُم من يتْرك التَّكَلُّم بِالْحَقِّ مُحَافظَة على حَظّ قد ظفر بِهِ من تِلْكَ الدولة من مَال وجاه وَقد يتْرك التَّكَلُّم بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ النَّاس استجلابا لخواطر الْعَوام ومخافة من نفورهم عَنهُ وَقد يتْرك التَّكَلُّم بِالْحَقِّ لطمع يَظُنّهُ ويرجو حُصُوله من تِلْكَ الدولة أَو من سَائِر النَّاس فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان كمن يطْمع فِي نيل رئاسة من الرئاسات ومنصب من المناصب كَائِنا مَا كَانَ ويرجو حُصُول رزق من السُّلْطَان أَو أَي فَائِدَة فَإِنَّهُ يخَاف أَن تفوت عَلَيْهِ هَذِه الْفَائِدَة المظنونة والرئاسة المطموع فها فيتظهر بِمَا يُوَافق النَّاس ويتفق عِنْدهم ويميلون إِلَيْهِ ليَكُون لَهُ ذَلِك ذخيرة وبذا عِنْدهم ينَال بهَا عرض الدُّنْيَا الَّذِي يرجوه
فَكيف تَجِد ذَلِك النَّاشِئ بَين من كَانَ كَذَلِك من يرشده إِلَى الْحق وَيبين لَهُ الصَّوَاب ويحول بَينه وَبَين الْبَاطِل ويجنبه الغواية وهيهات ذَاك فالدنيا مُؤثرَة وَالدّين تبع لَهَا
وَمن شكّ فِي هَذَا فليخبرنا من ذَاك الَّذِي يَسْتَطِيع أَن يصْرخ بَين ظهراني دولة من تِلْكَ الدول بِمَا يُخَالف اعْتِقَاد أَهلهَا وتألفه عامتها وخاصتها وَوُقُوع مثل ذَلِك نَادرا إِنَّمَا يقوم بِهِ أَفْرَاد من مخلصي الْعلمَاء ومنصفيهم وَقَلِيل مَا هم فَإِنَّهُم لَا يوجدون إِلَّا على قلَّة وإعواز وهم حَملَة الْحجَّة على الْحَقِيقَة والقائمون بِبَيَان مَا أنزل الله والمترجمون للشريعة وهم الْعلمَاء حَقًا وَأما غَيرهم مِمَّن يعلم كَمَا يعلمُونَ وَلَا يتَكَلَّم كَمَا يَتَكَلَّمُونَ بل يكتم مَا أَخذ الله عَلَيْهِ بَيَانه وَيعْمل بِالْجَهْلِ مَعَ كَونه عَالما بِأَنَّهُ جهل وَيَقُول بالبدعة مَعَ اعْتِقَاده أَنَّهَا بِدعَة فَهَذَا لَيْسَ بِأَهْل لدُخُوله فِي مُسَمّى الْعلم وَلَا يستأهل أَن يُوصف بِوَصْف من أَوْصَافه أَو يدْخل فِي عداد أَهله بل هُوَ متظهر وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته بِالْجَهْلِ والبدعة مُطَابقَة لأهل الْجَهْل والابتداع وتنفيفا لنَفسِهِ عَلَيْهِم واستجلابا لقُلُوبِهِمْ ومداراة لَهُم حَتَّى يبْقى عَلَيْهِ جاهه