وَالْخَيْر كل الْخَيْر فِي الْكتاب وَالسّنة فَمَا خرج عَن ذَلِك فَلَا خير فِيهِ وَإِن جَاءَنَا أزهد النَّاس فِي الدُّنْيَا وأرغبهم فِي الْآخِرَة وأتقاهم الله تَعَالَى وأخشاهم لَهُ فِي الظَّاهِر فَإِنَّهُ لَا زهد لمن يمش على الْهدى النَّبَوِيّ وَلَا تقوى وَلَا خشيَة لمن لم يسْلك الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَإِن الْأُمُور لَا تكون طاعات بالتعب فِيهَا وَالنّصب وإيقاعها على أبلغ الْوُجُوه بل إِنَّمَا تكون طاعات خَالِصَة مَحْضَة مباركة نافعة بموافقة الشَّرْع وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية وَاعْتبر بالخوارج فقد وَصفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا وصف من تِلْكَ الْعِبَادَات والمجاهدات الَّتِي لَا تبلغ عبادتنا وَلَا مجاهدتنا إِلَى شئ مِنْهَا وَلَا تعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَمَعَ هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا لَا تجَاوز تراقيهم وَقَالَ إِنَّهُم يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية وَقَالَ إِنَّهُم كلاب النَّار فَانْظُر كَيفَ كَانَت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم اللَّيْل وصيامهم النَّهَار نقمة عَلَيْهِم وبلية ومحنة لَهُم لم تعد عَلَيْهِ بنفع قطّ إِلَّا مَا أصيبوا بِهِ من الخسار والنكال والوبال فَكَانَت تِلْكَ الطَّاعَات الصورية من صَلَاة وَصِيَام وتهجد وَقيام هِيَ نفس الْمعاصِي الْمُوجبَة للنار
وَهَكَذَا كل من رام أَن يُطِيع اله على غير الْوَجْه الَّذِي شَرعه لِعِبَادِهِ وارتضاه لَهُم فَإِنَّهُ رُبمَا يلْحق بالخوارج بِجَامِع وُقُوع مَا أطاعوا الله بِهِ على غير مَا شَرعه لَهُم فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله
وَإِنِّي أخْشَى أَن يكون من هَذَا الْقَبِيل مَا يَقع من كثير من المتصوفة من تِلْكَ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي ظَاهرهَا التنفير عَن الدُّنْيَا والبعد عَن أَهلهَا