(هُوَ الْوَقْف مَا بَين الطَّرِيقَيْنِ حيرة ... فَمَا علم من لم يلق غير التحير)
(على أنني قد خضت مِنْهُ غماره ... وَمَا قنعت نَفسِي بِدُونِ التبحر)
وَعند هَذَا رميت بِتِلْكَ الْقَوَاعِد من حالق وطرحتها خلف الْحَائِط وَرجعت إِلَى الطَّرِيقَة المربوطة بأدلة الْكتاب وَالسّنة المعمودة بالأعمدة الَّتِي هِيَ أوثق مَا يعْتَمد عَلَيْهِ عباد الله وهم الصَّحَابَة وَمن جَاءَ بعدهمْ من عُلَمَاء الْأمة المقتدين بهم السالكين مسالكهم فطاحت الْحيرَة وانجابت ظلمَة العماية وانقشعت وانكشفت ستور الغواية وَللَّه الْحَمد
على أَنِّي وَللَّه الشُّكْر لم أشتغل بِهَذَا الْفَنّ إِلَّا بعد رسوخ الْقدَم فِي أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة فَكنت إِذا عرضت مَسْأَلَة من مسَائِله مَبْنِيَّة على غير أساس رجعت إِلَى مَا يَدْفَعهَا من علم الشَّرْع ويدمغ زائفها من أنوار الْكتاب وَالسّنة ولكنني كنت أقدر فِي نَفسِي أَنه لَو لم يكن لدي إِلَّا تِلْكَ الْقَوَاعِد والمقالات فَلَا أجد حِينَئِذٍ إِلَّا حيرة وَلَا أَمْشِي إِلَّا فِي ظلمَة ثمَّ إِذا ضربت بهَا وَجه قَائِلهَا وَدخلت إِلَى تِلْكَ الْمسَائِل من الْبَاب الَّذِي أَمر الله بِالدُّخُولِ مِنْهُ كنت حِينَئِذٍ فِي رَاحَة من تِلْكَ الْحيرَة وَفِي دعة من تِلْكَ الخزعبلات وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين عدد مَا حَمده الحامدون بِكُل لِسَان فِي كل زمَان
ثمَّ بعد إِحْرَاز هَذِه الْعُلُوم يشْتَغل بِعلم التَّفْسِير فَيَأْخُذ عَن الشُّيُوخ مَا يحْتَاج مثله إِلَى الْأَخْذ = كالكشاف = ويكب على كتب التَّفْسِير على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وتباين مقاديرها ويعتمد فِي تَفْسِير كَلَام الله سُبْحَانَهُ مَا ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَن الصَّحَابَة فَإِنَّهُم مَعَ كَونهم أعلم من غَيرهم بمقاصد الشَّارِع هم أَيْضا من أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَمَا وجده من تفاسير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب الْمُعْتَبرَة = كالأمهات = وَمَا يلْتَحق بهَا قدمه على غَيره بل يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْأَخْذ بِهِ وَلَا يحل لَهُ