وَإِن لحسن النِّيَّة وإخلاص الْعَمَل تَأْثِيرا عَظِيما فِي هَذَا الْمَعْنى فَمن تعكست عَلَيْهِ بعض أُمُوره من طلبة الْعلم أَو أكلف عَلَيْهِ مطالبه وتضايقت مقاصده فَليعلم أَنه بِذَنبِهِ أُصِيب وبعدم إخلاصه عُوقِبَ أَو أَنه أُصِيب بِشَيْء من ذَلِك محنة لَهُ وابتلاء واختبارا لينْظر كَيفَ صبره واحتماله ثمَّ يفِيض عَلَيْهِ بعد ذَلِك من خَزَائِن الْخَيْر ومخازن العطايا مَا لم يكن بحسبان وَلَا يبلغ إِلَيْهِ تصَوره فليعض على الْعلم بناجذه ويشد عَلَيْهِ يَده ويشرح بِهِ صَدره فَإِنَّهُ لَا محَالة وَاصل إِلَى الْمنزل الَّذِي ذكرنَا نائل للمرتبة الَّتِي بَينا

وَمَا أحسن مَا حَكَاهُ بعض أهل الْعلم عَن الْحَكِيم أفلاطون فَإِنَّهُ قَالَ الْفَضَائِل مرّة الْأَوَائِل حلوة العواقب والرذائل حلوة الْأَوَائِل مرّة العواقب

وَقد صدق فَإِن من شغل أَوَائِل عمره وعنفوان شبابه بِطَلَب الْفَضَائِل لَا بُد أَن يفطم نَفسه عَن بعض شهواتها ويحسبها عَن الْأُمُور الَّتِي يشْتَغل بهَا أترابه ومعارفه من الملاهي ومجالس الرَّاحَة وشهوات الشَّبَاب فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ مَا هم فِيهِ من تِلْكَ اللَّذَّات والخلاعات وجد فِي نَفسه بِحكم الشَّبَاب وحداثة السن وميل الطَّبْع مَا هُنَاكَ مرَارَة وَاحْتَاجَ إِلَى مجاهدة يرد بهَا جَامع طبعه ومتفلت هَوَاهُ ومتؤثب نشاطه وَلَا يتم لَهُ ذَلِك إِلَّا بإلجام شَهْوَته بلجام الصَّبْر ورباطها بمربط الْعِفَّة

وَكَيف لَا يجد مرَارَة الْحَبْس للنَّفس من كَانَ فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسَاجِد ومقصورة من مقاصر الْمدَارِس لَا ينظر إِلَّا فِي دفتر وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا فِي فن من الْفُنُون وَلَا يتحدث إِلَّا إِلَى عَالم أَو متعلم وأترابه ومعارفه من قرَابَته وجيرانه وَذَوي سنه وَأهل نشأته وبلده يتقبلون فِي رافه الْعَيْش ورائق القصف

وَإِذا انْضَمَّ لذَلِك الطَّالِب إِلَى هَذِه المرارة الْحَاصِلَة لَهُ بعزف النَّفس عَن شهواتها مرَارَة أُخْرَى هِيَ اعواز الْحَال وضيق المكسب وحقارة الدخل فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يجد من المرارة المتضاعفة مَا يعظم عِنْده موقعه لكنه يذهب عَنهُ قَلِيلا قَلِيلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015