يَقْدِرُ عَلَى اتِّصَالِهَا. فَهَذَا رُبَّمَا كَانَ بِالْمُقَصِّرِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الزِّيَادَةِ إمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ أَدَاءِ اللَّازِمِ فَلَا يَكُونُ إلَّا تَقْصِيرًا؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِزِيَادَةٍ أَحْدَثَتْ نَقْصًا، وَبِنَفْلٍ مَنَعَ فَرْضًا. وَإِمَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْ اسْتِدَامَةِ الزِّيَادَةِ وَيَمْنَعَ مِنْ مُلَازَمَةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ بِلَازِمٍ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي فَرْضٍ.
فَهِيَ إذًا قَصِيرَةُ الْمَدَى قَلِيلَةُ اللُّبْثِ، وَالْقَلِيلُ الْعَمَلِ فِي طَوِيلِ الزَّمَانِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ كَثِيرِ الْعَمَلِ فِي قَصِيرِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَكْثِرَ مِنْ الْعَمَلِ فِي الزَّمَانِ الْقَصِيرِ قَدْ يَعْمَلُ زَمَانًا وَيَتْرُكُ زَمَانًا فَرُبَّمَا صَارَ فِي زَمَانِ تَرْكِهِ لَاهِيًا أَوْ سَاهِيًا. وَالْمُقَلِّلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ مُسْتَيْقِظُ الْأَفْكَارِ، مُسْتَدِيمُ التَّذْكَارِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْإِسْلَامَ شِرَّةٌ وَلِلشِّرَّةِ فَتْرَةٌ فَمَنْ سَدَّدَ وَقَارَبَ فَأَرْجُوهُ، وَمَنْ أُشِيرَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ» . فَجَعَلَ الْإِسْلَامَ شِرَّةً وَهِيَ الْإِيغَالُ فِي الْإِكْثَارِ، وَجَعَلَ لِلشِّرَّةِ فَتْرَةً وَهِيَ الْإِهْمَالُ بَعْدَ الِاسْتِكْثَارِ.
فَلَمْ يَخْلُ بِمَا أَثْبَتَ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَقْصِيرًا أَوْ إخْلَالًا وَلَا خَيْرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَاعْلَمْ - جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ حَاكِمًا لَك وَعَلَيْك، وَالْحَقَّ قَائِدًا لَك وَإِلَيْك - أَنَّ الدُّنْيَا إذَا وَصَلَتْ فَتَبِعَاتٌ مُوبِقَةٌ، وَإِذَا فَارَقَتْ فَفَجَعَاتٌ مُحْرِقَةٌ. وَلَيْسَ لِوَصْلِهَا دَوَامٌ وَلَا مِنْ فِرَاقِهَا بُدٌّ، فَرُضْ نَفْسَك عَلَى قَطِيعَتِهَا لِتَسْلَمَ مِنْ تَبِعَاتِهَا، وَعَلَى فِرَاقِهَا لِتَأْمَنَ فَجِعَاتِهَا. فَقَدْ قِيلَ: الْمَرْءُ مُقْتَرِضٌ مِنْ عُمُرِهِ الْمُنْقَرِضِ. مَعَ أَنَّ الْعُمُرَ وَإِنْ طَالَ قَصِيرٌ، وَالْفَرَاغَ وَإِنْ تَمَّ يَسِيرٌ.
وَأَنْشَدْت لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
إذَا كَمُلَتْ لِلْمَرْءِ سِتُّونَ حِجَّةً ... فَلَمْ يَحْظَ مِنْ سِتِّينَ إلَّا بِسُدْسِهَا
أَلَمْ تَرَ أَنَّ النِّصْفَ بِاللَّيْلِ حَاصِلٌ ... وَتَذْهَبُ أَوْقَاتُ الْمَقِيلِ بِخُمْسِهَا
فَتَأْخُذُ أَوْقَاتُ الْهُمُومِ بِحِصَّةٍ ... وَأَوْقَاتُ أَوْجَاعٍ تُمِيتُ بِمُسِنِّهَا
فَحَاصِلُ مَا يَبْقَى لَهُ سُدُسُ عُمُرِهِ ... إذَا صَدَّقَتْهُ النَّفْسُ عَنْ عِلْمِ حَدْسِهَا
وَرِيَاضَةُ نَفْسِك، لِذَلِكَ، تَتَرَتَّبُ عَلَى أَحْوَالٍ ثَلَاثٍ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِنْهَا تَتَشَعَّبُ، وَهِيَ لِتَسْهِيلِ مَا يَلِيهَا سَبَبٌ.