وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِطَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ:

إذَا أَعْجَبَتْك خِصَالُ امْرِئٍ ... فَكُنْهُ يَكُنْ مِنْك مَا يُعْجِبُكْ

فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْدِ وَالْمَكْرُمَاتِ ... إذَا جِئْتَهَا حَاجِبٌ يَحْجُبُكْ

فَأَمَّا مَا يَرُومُهُ مِنْ أَعْمَالِهِ، وَيُؤْثِرُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ مِنْ مَطَالِبِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ الْفِكْرَ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّجَاءُ فِيهِ أَغْلَبَ مِنْ الْإِيَاسِ مِنْهُ وَحُمِدَتْ الْعَافِيَةُ فِيهِ سَلَكَهُ مِنْ أَسْهَلِ مَطَالِبِهِ وَأَلْطَفِ جِهَاتِهِ. وَبِقَدْرِ شَرَفِهِ يَكُونُ الْإِقْدَامُ، وَإِنْ كَانَ الْإِيَاسُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّجَاءِ مَعَ شِدَّةِ التَّغْرِيرِ وَدَنَاءَةِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَرِّضًا.

فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَفَكِّرْ فِي عَاقِبَتِهِ فَإِنْ كَانَ رُشْدًا فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيًّا فَانْتَهِ عَنْهُ» . وَقَالَتْ الْحُكَمَاءُ: طَلَبُ مَا لَا يُدْرَكُ عَجْزٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

فَإِيَّاكَ وَالْأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوَسَّعَتْ ... مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْك الْمَصَادِرُ

فَمَا حَسَنٌ أَنْ يَعْذُرَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ... وَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ عَاذِرُ

وَلْيَعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ حِينٍ مِنْ أَيَّامِ عُمُرِهِ خُلُقًا، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ دَهْرِهِ عَمَلًا فَإِنْ تَخَلَّقَ فِي كِبَرِهِ بِأَخْلَاقِ الصِّغَرِ، وَتَعَاطَى أَفْعَالَ الْفُكَاهَةِ وَالْبَطَرِ، اسْتَصْغَرَهُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَحَقَّرَهُ مَنْ هُوَ أَقَلُّ وَأَحْقَرُ، وَكَانَ كَالْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ بِقَوْلِ الشَّاعِر:

وَكُلُّ بَازٍ يَمَسُّهُ هَرَمٌ ... تَخَرَّا عَلَى رَأْسِهِ الْعَصَافِيرُ

فَكُنْ أَيُّهَا الْعَاقِلُ مُقْبِلًا عَلَى شَانِكَ، رَاضِيًا عَنْ زَمَانِك، سِلْمًا لِأَهْلِ دَهْرِك، جَارِيًا عَلَى عَادَةِ عَصْرِك، مُنْقَادًا لِمَنْ قَدَّمَهُ النَّاسُ عَلَيْك، مُتَحَنِّنًا عَلَى مَنْ قَدَّمَك النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَا تُبَايِنْهُمْ بِالْعُزْلَةِ عَنْهُمْ فَيَمْقُتُوك، وَلَا تُجَاهِرْهُمْ بِالْمُخَالَفَةِ لَهُمْ فَيُعَادُوك، فَإِنَّهُ لَا عَيْشَ لِمَمْقُوتٍ وَلَا رَاحَةَ لِمُعَادِي. وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِبَعْضِهِمْ:

إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي وَاحِدٍ ... وَخَالَفَهُمْ فِي الرِّضَا وَاحِدُ

فَقَدْ دَلَّ إجْمَاعُهُمْ دُونَهُ ... عَلَى عَقْلِهِ أَنَّهُ فَاسِدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015