أَغْضَبَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَا هَيَّجَ جَأْشَك كَغَيْظٍ أَجَاشَكَ. وَقَالَ رَجُلٌ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ عِظْنِي. قَالَ: لَا تَغْضَبْ. فَيَنْبَغِي لِذِي اللُّبِّ السَّوِيِّ وَالْحَزْمِ الْقَوِيِّ أَنْ يَتَلَقَّى قُوَّةَ الْغَضَبِ بِحِلْمِهِ فَيَصُدَّهَا، وَيُقَابِلَ دَوَاعِيَ شِرَّتِهِ بِحَزْمِهِ فَيَرُدُّهَا، لِيَحْظَى بِأَجَلِّ الْخِبْرَةِ وَيَسْعَدَ بِحَمِيدِ الْعَاقِبَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: فِي إغْضَابِك رَاحَةُ أَعْصَابِك. وَسَبَبُ الْغَضَبِ هُجُومُ مَا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ مِمَّنْ دُونَهَا، وَسَبَبُ الْحُزْنِ هُجُومُ مَا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ مِمَّنْ فَوْقَهَا.

وَالْغَضَبُ يَتَحَرَّكُ مِنْ دَاخِلِ الْجَسَدِ إلَى خَارِجِهِ، وَالْحُزْنُ يَتَحَرَّك مِنْ خَارِجِ الْجَسَدِ إلَى دَاخِلِهِ. فَلِذَلِكَ قَتَلَ الْحُزْنُ وَلَمْ يَقْتُلْ الْغَضَبُ لِبُرُوزِ الْغَضَبِ وَكُمُونِ الْحُزْنِ. وَصَارَ الْحَادِثُ عَنْ الْغَضَبِ السَّطْوَةَ وَالِانْتِقَامَ لِبُرُوزِهِ، وَالْحَادِثُ عَنْ الْحُزْنِ الْمَرَضَ وَالْأَسْقَامَ لِكُمُونِهِ. وَلِذَلِكَ أَفْضَى الْحُزْنُ إلَى الْمَوْتِ وَلَمْ يُفِضْ إلَيْهِ الْغَضَبُ. فَهَذَا فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِتَسْكِينِ الْغَضَبِ إذَا هَجَمَ أَسْبَابًا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْحِلْمِ مِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إلَى الْخَوْفِ مِنْهُ، وَيَبْعَثُهُ الْخَوْفُ مِنْهُ عَلَى الطَّاعَةِ لَهُ، فَيَرْجِعُ إلَى أَدَبِهِ وَيَأْخُذُ بِنَدْبِهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَزُولُ الْغَضَبُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]

قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي إذَا غَضِبْتَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} [فصلت: 36]

وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْزَغَنَّكَ أَيْ يُغْضِبَنَّكَ، فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يَعْنِي أَنَّهُ سَمِيعٌ بِجَهْلِ مَنْ جَهِلَ، عَلِيمٌ بِمَا يُذْهِبُ عَنْك الْغَضَبَ. وَذُكِرَ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا يَا ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ، فَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ. وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ الْفُرْسِ كَتَبَ كِتَابًا وَدَفَعَهُ إلَى وَزِيرٍ لَهُ وَقَالَ: إذَا غَضِبْتُ فَنَاوِلْنِيهِ. وَكَانَ فِيهِ: مَا لَك وَالْغَضَبُ إنَّمَا أَنْتَ بَشَرٌ، ارْحَمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْك مَنْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015