أَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَأَقْوَى مَوَادِّ النِّعَمِ وَأَبْلَغِ شَافِعٍ إلَى الْقُلُوبِ يَعْطِفُهَا إلَى الْمَحَبَّةِ وَيُثْنِيهَا عَنْ الْبُغْضِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ بَرِئَ مِنْ ثَلَاثٍ نَالَ ثَلَاثًا: مَنْ بَرِئَ مِنْ السَّرَفِ نَالَ الْعِزَّ. وَمَنْ بَرِئَ مِنْ الْبُخْلِ نَالَ الشَّرَفَ. وَمَنْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ نَالَ الْكَرَامَةَ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ: التَّوَاضُعُ مَصَائِدُ الشَّرَفِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ دَامَ تَوَاضُعُهُ كَثُرَ صَدِيقُهُ. وَقَدْ تُحْدِثُ الْمَنَازِلُ وَالْوِلَايَاتُ لِقَوْمٍ أَخْلَاقًا مَذْمُومَةً يُظْهِرُهَا سُوءُ طِبَاعِهِمْ، وَلِآخَرِينَ فَضَائِلَ مَحْمُودَةً يَبْعَثُ عَلَيْهَا زَكَاءُ شِيَمِهِمْ؛ لِأَنَّ تَقَلُّبَ الْأَحْوَالِ سَكَرَةٌ تُظْهِرُ مِنْ الْأَخْلَاقِ مَكْنُونَهَا، وَمِنْ السَّرَائِرِ مَخْزُونَهَا، لَا سِيَّمَا إذَا هَجَمَتْ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيجٍ وَطَرَقَتْ مِنْ غَيْرِ تَأَهُّبٍ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ تُعْرَفُ جَوَاهِرُ الرِّجَالِ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: مَنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ فَوْقَ قُدْرَةٍ تَكَبَّرَ لَهَا، وَمَنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ دُونَ قُدْرَةٍ تَوَاضَعَ لَهَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: النَّاسُ فِي الْوِلَايَةِ رَجُلَانِ: رَجُلٌ يُجِلُّ الْعَمَلَ بِفَضْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ، وَرَجُلٌ يَجِلُّ بِالْعَمَلِ لِنَقْصِهِ وَدَنَاءَتِهِ. فَمَنْ جَلَّ عَنْ عَمَلِهِ ازْدَادَ بِهِ تَوَاضُعًا وَبِشْرًا، وَمَنْ جَلَّ عَنْهُ عَمَلُهُ ازْدَادَ بِهِ تَجَبُّرًا وَتَكَبُّرًا.
حُسْنُ الْخُلُقِ الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُسْنِ الْخُلُقِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا فَأَكْرِمُوهُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ إلَّا بِهِمَا» . وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَدْوَأِ الدَّاءِ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ الْخُلُقُ الدَّنِيُّ وَاللِّسَانُ الْبَذِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ ضَاقَ رِزْقُهُ. وَعِلَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْحَسَنُ الْخُلُقِ مَنْ نَفْسُهُ فِي رَاحَةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي سَلَامَةٍ.
وَالسَّيِّئُ الْخُلُقِ النَّاسُ مِنْهُ فِي بَلَاءٍ، وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي عَنَاءٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَاشِرْ أَهْلَك بِأَحْسَنِ أَخْلَاقِك فَإِنَّ الثَّوَاءَ فِيهِمْ قَلِيلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: