قَدْ أَرَدْت ذَلِكَ فَذَكَرْت عَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَعَلِمْت أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ الدَّاءُ وَالْمُدَاوِي فَهَلَكُوا جَمِيعًا.
وَسَأَلَ أَنُوشِرْوَانَ: مَتَى يَكُونُ عَيْشُ الدُّنْيَا أَلَذَّ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَهُ فِي حَيَاتِهِ مَعْمُولًا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ نَسِيَ الْأُمْنِيَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: عَنْ الْمَوْتِ تَسَلْ، وَهُوَ كَرِيشَةٍ تُسَلُّ، وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْأَمَلُ حِجَابُ الْأَجَلِ. وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
وَلَوْ أَنَّا إذَا مُتْنَا تُرِكْنَا ... لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنَّا إذَا مُتْنَا بُعِثْنَا ... وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيِّ
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
أَلَا إنَّمَا الدُّنْيَا مَقِيلٌ لِرَاكِبٍ ... قَضَى وَطَرًا مِنْ مَنْزِلٍ ثُمَّ هَجَّرَا
وَرَاحَ وَلَا يَدْرِي عَلَامَ قُدُومُهُ ... أَلَا كُلُّ مَا قَدَّمْت تَلْقَى مُوَفَّرَا
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اكْسِبْ طَيِّبًا، وَاعْمَلْ صَالِحًا، وَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، وَاعْدُدْ نَفْسَك مِنْ الْمَوْتَى» . وَكَتَبَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَم إلَى أَخٍ لَهُ: قَدِّمْ جَهَازَك، وَافْرَغْ مِنْ زَادِك، وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِك وَالسَّلَامُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَصَابَ الدُّنْيَا مَنْ حَذِرَهَا، وَأَصَابَتْ الدُّنْيَا مَنْ أَمِنَهَا. وَمَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بِقَوْمٍ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ زُهَّادٌ. فَقَالَ: مَا قَدْرُ الدُّنْيَا حَتَّى يُحْمَدَ مَنْ زَهِدَ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّعِيدُ مَنْ اعْتَبَرَ بِأَمْسِهِ، وَاسْتَظْهَرَ لِنَفْسِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ جَمَعَ لِغَيْرِهِ وَبَخِلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لَا تَبِتْ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ إنْ كُنْت مِنْ جِسْمِك فِي صِحَّةٍ، وَمِنْ عُمُرِك فِي فُسْحَةٍ، فَإِنَّ الدَّهْرَ خَائِنٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ كَائِنٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُهُ ... وَالْقَبْرَ مَسْكَنُهُ وَالْبَعْثَ مُخْرِجُهُ
وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارٍ سَتُنْضِجُهُ