وَتُقَصِّرْ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي السَّعْيِ وَالْعَمَلِ.

وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنَّوَائِبِ تَعَرَّضَتْ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

مَا لِلْمَقَابِرِ لَا تُجِيبُ ... إذَا دَعَاهُنَّ الْكَئِيبُ

حُفَرٌ مُسَقَّفَةٌ عَلَيْهِنَّ ... الْجَنَادِلُ وَالْكَثِيبُ

فِيهِنَّ وِلْدَانٌ وَأَطْفَالٌ ... وَشُبَّانٌ وَشِيبُ

كَمْ مِنْ حَبِيبٍ لَمْ تَكُنْ ... نَفْسِي بِفُرْقَتِهِ تَطِيبُ

غَادَرْته فِي بَعْضِهِنَّ ... مُجَنْدَلًا وَهُوَ الْحَبِيبُ

وَسَلَوْت عَنْهُ وَإِنَّمَا ... عَهْدِي بِرُؤْيَتِهِ قَرِيبُ

وَوَعَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَقَالَ: «أَقْلِلْ مِنْ الدُّنْيَا تَعِشْ حُرًّا، وَأَقْلِلْ مِنْ الذُّنُوبِ يَهُنْ عَلَيْك الْمَوْتُ، وَانْظُرْ حَيْثُ تَضَعُ وَلَدَك فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» .

وَقَالَ الرَّشِيدُ لِابْنِ السَّمَّاكِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: عِظْنِي وَأَوْجِزْ. فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّك أَوَّلُ خَلِيفَةٍ يَمُوتُ. وَعَزَّى أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّاهُ مِمَّا هَهُنَا مِنْ الْكَدَرِ، وَخَلَّصَهُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَطَرِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ عَمِلَ لِلْآخِرَةِ أَحْرَزَهَا وَالدُّنْيَا، وَمَنْ آثَرَ الدُّنْيَا حُرِمَهَا وَالْآخِرَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: اسْتَغْنِمْ تَنَفُّسَ الْأَجَلِ، وَإِمْكَانَ الْعَمَلِ، وَاقْطَعْ ذِكْرَ الْمَعَاذِيرِ وَالْعِلَلِ، فَإِنَّك فِي أَجَلٍ مَحْدُودٍ، وَنَفَسٍ مَعْدُومٍ، وَعُمُرٍ غَيْرِ مَمْدُودٍ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الطَّبِيبُ مَعْذُورٌ، إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الْمَحْذُورِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: اعْمَلْ عَمَلَ الْمُرْتَحِلِ فَإِنَّ حَادِيَ الْمَوْتِ يَحْدُوك، لِيَوْمٍ لَيْسَ يَعْدُوك. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

غَرَّ جَهُولًا أَمَلُهْ ... يَمُوتُ مَنْ جَا أَجَلُهْ

وَمَنْ دَنَا مِنْ حَتْفِهِ ... لَمْ تُغْنِ عَنْهُ حِيَلُهْ

وَمَا بَقَاءُ آخِرٍ ... قَدْ غَابَ عَنْهُ أَوَّلُهْ

وَالْمَرْءُ لَا يَصْحَبُهُ ... فِي الْقَبْرِ إلَّا عَمَلُهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015