ومن سمات الدعوة الشمول والاتساع، فليست منحصرة في جانب واحد بل تأخذ الدين وتقوم به من جميع جوانبه علماً وعملاً وسلوكاً وخلقاً.
ونعني بالشمول والاتساع: أن هذه الدعوة ليست دعوة مقتصرة على جانب معين ككثير من الدعوات التي تقتصر على جانب معين، فتجد من الناس من يجعل همه أن الإنسان يحفظ القرآن، أو أن يكون الناس في هيئتهم الظاهرة ملتزمين بالسنة، وآخر يكون عنده اهتمام بجزئية معينة من بعض القضايا الاعتقادية، وآخر تجد أن أهم شيء عنده أن يكون الفرد متحمساً للعمل الإسلامي من غير أن يكون عنده أي جوانب أخرى، ولذلك تجد ازدواجية خطيرة في الشخصية، وهذا الكلام موجود لدى كثير منا في الحقيقة، بل كل منا فيه قدر من هذه الازدواجية وعدم الشمول، فتجد بعضنا، وإن كانت هيئته إسلامية، لكن أخلاقه لم تتغير بعد، كذا تعامله المادي لم يتغير بعد، وما زال على طريقة أهل الباطل والجهل والظلم والعدوان، ولم يتغير في اعتقاداته بل زال بعيداً عن الفهم الصحيح للعقيدة وتطبيقها الحقيقي، كذلك التزام الحلال والحرام، وقضايا كثيرة جداً لم تزل موجودة على ما كانت عليه، فكثير من الدعاة يركز على جانب معين دون شمول باقي الجوانب، وهذا خطر بلا شك، فالدعوة الربانية حتى تكون دعوةً إلى الله صحيحة النسبة لابد أن تكون دعوة شاملة لمعاني الدين كله، فتغير الإنسان كفرد وتغيره كأمة، وهذا من أخطر ما يلام عليه الكثير من الدعاة، أعني: تقصيرهم باقتصارهم على إصلاح جانب معين من جوانب الفرد ومن جوانب الأمة دون بقية الجوانب، فيحصل النتوء في الشخصية بسبب أن فلاناً بالغ جداً في قضايا معينة، وربما كان الاهتمام بها في حجمها مشروعاً، ولكن أن تكون هي الإسلام الوحيد للإنسان، فأمر غير محتمل وغير مرضي أبداً، ولا يمكن أن يكون من سمات الشخصية المسلمة المتكاملة.
وكذلك بعضنا يهتم بإصلاح الفرد ولا يهتم بإصلاح الأمة، بل يتعبد لله ويقول: ممنوع أن أتكلم في أمر الأمة، أو العقائد، أو البدع، أو السياسة، فبماذا يتكلم إذاً؟ أيتكلم في دعوة الناس إلى أن يذهبوا إلى المسجد ثم يخرجوا بعد ذلك إلى الدعوة، فأين إصلاح الأمة؟ وأين تغيير هؤلاء الأشخاص أنفسهم في الاعتقاد والعمل والسلوك والعبادة وسائر الأمور؟ فبعض الناس قد يهتم بجانب العبادة أو التهذيب، وقد يحصل بذلك خلل في الدعوة، فالدعوة الربانية هي التي تأخذ الدين كله، وتقوم به من جميع جوانبه للفرد وللأمة، فتكون الشخصية المسلمة، وتسعى في إيجاد الطائفة المؤمنة التي تقوم بفروض الكفاية.
وكذلك يجب أن تكتسب الدعوة صفة العالمية، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف:104]، هذه قضية عظيمة ليست محلية.
فكثير جداً من الدعوات تتأثر بالواقع الذي تعيشه، وتنعزل عما سواه، فتجد الذي يعرف الأزمة الجزائرية يقول لك: نريد أن نتجه بقضيتنا إلى طريقة اتجاه الجزأرة، يعني: نحن ملتزمون بالسنة والدين ولكن ليس لنا دخل في شيء آخر أبداً، وإنما نحن نختص بأنفسنا فقط.
فأين هم {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف:104]؟ إن شأن المسلم أن يكون شعاره: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فهل كان هذا تدخلاً في شئون دولة الفرس؟ نحن مأمورون بالتدخل لمصلحة الإنسان، ومأمورون بأن ننقذ الإنسان من ظلم الإنسان، وأن نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
والله تعالى أعلى وأعلم.