نوع الخلاف في نبوة الخضر وذكر شروط تكفير المعين

Q هل الخلاف في نبوة الخضر خلاف في تحقيق المناط؟

صلى الله عليه وسلم الخلاف في نبوة الخضر خلاف في أصل المسألة، وفيها خلاف سائغ، ونحن نتكلم في مسألة متفق على القول بالكفر فيها لكن وقع الاختلاف في التطبيق، فنقول: قد يوجد عالم يرى أن هذا الشخص الذي ارتكب الشرك الأكبر جاهل أو متأول تأويلاً يمنع من تكفيره بعينه؛ لأنه لم يطلع على أن أحداً أقام الحجة عليه، بينما عالم آخر يعلم أنه قد أقام عليه الحجة وأزال شبهته ولم يبق له عذر فقال بكفره بعينه، فلا ينبغي أن يُجعل هذا خلافاً بينهما، لا تتسع له الصدور، خاصة من أتباعهما.

يعني: أتباع الشيخ فلان وأتباع الشيخ فلان من أجل أن هذا يكفر وهذا لا يكفر تصير بينهم معركة كبيرة جداً، مثلما حصل في بعض مدن قطرنا، فإنك تجد الخلاف عنيفاً جداً حول مسائل التكفير، فالذي لا يكفر يبدع الذي يكفر والذي يكفر يبدع الذي لا يكفر، وهذا خطأ في الحقيقة؛ لأن الخلاف إن كان في تحقيق المناط أو تخريجه فإنه يكون خلافاً سائغاً.

فمثلاً: نحن متفقون على أن من دعا غير الله كفر، وأن قول القائل: أغثني يا سيدي فلان وارحمني واغفر لي ذنبي كفر ناقل عن الملة، لكن وجدنا واحداً من عوام الناس لم يتعلم ولم يسمع الأدلة يقول: مدد يا سيدي فلان، أغثني يا سيدي فلان، والجهل منتشر في بلادنا بهذه المسألة وبغيرها من المسائل، وبالتالي فهذا الرجل بعينه لا بد من استيفاء شروط التكفير في حقه، فنتأكد من إقامة الحجة عليه، ونتأكد أنه عاقل غير مجنون، ونتأكد من بلوغه وعدم صغره.

فلو رأيت طفلاً صغيراً يقول كلاماً كفراً فهل يكفر هذا الطفل؟ لا يكفر؛ لأن من شروط التكفير البلوغ، ومن موانع التكفير الصغر.

ومن شروط التكفير العلم الذي هو في الحقيقة إقامة الحجة، ومن موانع التكفير الجهل الناشئ عن عدم بلوغ الحجة، ومن شروط التكفير القصد، ومن موانع التكفير الخطأ، فلو قال واحد: اللهم أنت عبدي وأنا ربك متعمداً فإنه يكفر، ولو قالها من شدة الفرح يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك فأخطأ وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك فلا يكفر.

ومن شروط التكفير الذكر، ومن موانع التكفير النسيان، فمثلاً: رجل نسي آية وقال: أنا أنكر أن آية كذا بالواو، وهي فيها واو، فجاءوا له بالمصحف فقال: أنا كنت مخطئاً، فساعة ما كان ينكر آية أو حرفاًًً نسياناً غير ذاكر لم يكن كافراً، وإنما كان ناسياً.

ومن موانع التكفير الإكراه، وضد الإكراه الاختيار، فلو ثبت أن فلاناً نطق بالكفر مختاراً فإنه يكفر، ولو نطقه مكرهاً لم يكفر.

فقضية وتكفير المعينين لا بد فيها من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، فكثير جداً من المسائل المعاصرة نكون متفقين على أصل المسألة ومختلفين في أن فلاناً استوفيت فيه الشروط أو لم تستوف.

فيبقى هناك اختلاف في تطبيق الحكم على الواقع.

فأنا أجزم أن كثيراً جداً من عوام المسلمين في بلادنا يجهلون أن قول: مدد يا سيدي يا بدوي شرك، بل يجهلون أنها حرام أصلاً.

فلا بد من إقامة الحجة على هؤلاء، وأنا مقتنع بأن أحداً اليوم لو قال: إن النصارى ليسوا بكفار، فلا بد من إقامة الحجة عليه، وذلك بتلاوة الآية عليه؛ لأن كثيراً من الناس لا يعلمون أن في القرآن آية: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] وإن كان من اعتقد أن اليهود أو النصارى ليسوا بكفار أو شك في كفرهم فهو كافر، لكن كتطبيق عملي على فلان من الناس فهنا نقول: لا بد من إقامة الحجة.

فلو قال مسلم هذا الكلام من غير أن يعرف الدليل، ومن غير أن يبلغه الدليل القاطع والآية الواضحة، نتيجة الشبهات المنتشرة ومشايخ الضلال والسوء الذين يوهمون الناس، فبعضهم يصرح وبعضهم يلمح ولا يصرح؛ من أجل أن يهرب، وبعضهم يوهم فلا يقول: إن اليهود والنصارى مؤمنون ولا يقول: إنهم غير كفار، لكن يأتي بالكلام الذي يفهم العوام منه أنهم ليسوا كفاراً.

فهذه المسائل يحكم فيها بناءً على وصول الدليل وعدم وصوله، فيعذر الذي لم يصله الدليل، ولا يعذر الذي وصله الدليل، والأمر هذا نسبي وإضافي، فالذي وصله الحق بأن جاءته البينات فهو غير معذور، والذي لم تأته البينات فهو معذور إلى أن تأتي له البينات.

فهناك مسائل أجزم أن البينات فيها وصلت للناس، ومسائل نجح علماء السوء فعلاً في تشويه صورتها لدى الكثيرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015