ومن أسباب هذا الخلاف: أن الشرع لم يذكر دليلاً قاطعاً على كل المسائل، بل جعل لبعضها دليلاً ظنياً يحتاج إلى بحث واجتهاد ونظر، يقوم به من حصَّل مقومات الاجتهاد والنظر، فهذا معلوم بالاستقراء لأدلة الشريعة واختلاف العلماء ابتداءً من عصر الصحابة فمن بعدهم.
وقد سبق أن ذكرنا نقل الإمام ابن تيمية رحمه الله اتفاق الصحابة على إقرار كل فريق من المتنازعين في مسائل في العبادات والمناكح والمواريث وغيرها للفريق الآخر على العمل باجتهاده، كما في مجموع الفتاوى (19/ 220) حيث قال: (قد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم).
يعني أنه يقول: استقرأنا أدلة الشرع ووجدناها تتضمن نوعين من الأدلة هي: نوع قطعي الثبوت والدلالة، ونوع ظني، بمعنى: أنه ليس ثبوته قطعياً كالأحاديث التي من أخبار الآحاد التي لم تتلق بالقبول، بل فيها اجتهاد واختلاف في تصحيحها وتضعيفها.
وهناك أدلة أيضاً من الكتاب والسنة دلالتها على المعاني ليست دلالة قطعية، وكما ذكرنا فإن الصحابة عندما اختلفوا وفهم كل منهم المسألة فهماً معلناً، أقر الفريق الآخر على العمل بما فهمه خلاف فهمه، وهذا يدل على أن هناك نوعين من الأدلة وليس كل المسائل عليها دليل قطعي، بل جعل لبعضها دليل ظني.