لقد وصلت حدة الاختلاف الى مرحلة اصبح المشرك معها يامن على نفسه عند بعض الفرق الاسلامية التي ترى انها على الحق المحض اكثر من المسلم المخالف لها بوجهة النظر والاجتهاد، حيث اصبح لاسبيل معها للخلاص من التصفية الجسدية الا باظهار صفة الشرك. انه الاختلاف الذي يتطور ويتطور وتتعمق اخاديده فيسيطر على الشخص ويمتلك عليه حواسه الى درجة ينسى معها المعاني الجامعة والصيد المشترك الذي يلتقي عليه المسلمون، ويعدم صاحبه الابصار الا للمواطن التي تختلف فيها وجهات النظر، وتغيب عنه ابجديات الخلق الاسلامي، فتضطرب الموازين، وينقلب عنده الظني الى قطعي، والمتشابه الى محكم، وخفي الدلالة الى واضح الدلالة، والعام الى خاص، وتستهوي النفوس العليلة مواطن الخلاف، فتسقط، في هاوية تكفير المسلمين، وتفضيل غيرهم من المشركين عليهم ... وقد تنقلب الآراء الاجتهادية والمدارس الفقهية التي محلها اهل النظر والاجتهاد، على ايدي المقلدين والاتباع الى ضرب من التحزب الفكري، والتعصب السياسي، والتخريب الاجتماعي تؤول على ضوئه آيات القرآن واحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فتصبح كل آية او حديث لاتوافق هذا اللون من التحزب الفكري اما مؤولة او منسوخة، وقد يشتد التعصب ويشتد فتعود الينا مقولة الجاهلية: «كذاب ربيعة افضل من صادق مضر ... » .
ولعل مرد معظم اختلافاتنا اليوم الى عوج في الفهم تورثه علل النفوس من الكبر والعجب بالرأي، والطواف حول الذات والافتتان بها، واعتقاد ان الصواب والزعامة وبناء الكيان انما يكون باتهام الآخرين بالحق وبالباطل، الامر الذي قد يتطور حتى يصل الى فجور في الخصومة والعياذ بالله تعالى.
اننا قلما ننظر الى الدخل، لان الانشغال بعيوب الناس، والتشهير بها، والاسقاط عليها، لم يدع لنا فرصة التأمل في بنائنا الداخلي، والاثر يقول: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس» .