فهل ورثنا علل اهل الكتاب بدل ان نرث الكتاب؟ وهل ورثنا البغي بدل ان نرث العلم والمعرفة ونلتزم باخلاقهما؟ ان الاختلاف والبغي وتفريق الدين من علل اهل الكتاب التي كانت سببا في هلاكهم ونسخ اديانهم وبقاء قصصهم وسائل ايضاح للدرس والعبرة لمن ورثوا الكتاب والنبوة، ذلك انه لاسبيل للاستبدال والنسخ في عالم المسلمين، وهم اصحاب الرسالة الخاتمة، وانما هي الامراض التي لاتقضي على الجسم نهائيا، فاما ان تستمر فتعيش الامة حالة الوهن الذائب، واما ان تعالج فيكون التصويب، وتكون المعافاة، ويكون النهوض وايقاف التآكل الداخلي، وهذا من خصائص الرسالة الخاتمة. ان ما يعانيه عالم المسلمين اليوم لايخرج عن ان يكون اعراضا للمشكلة الثقافية وخللا في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم، وآثارا للازمة الاخلاقية التي يعاني منها السلوك المسلم، وما من سبيل الى خروج الا بمعالجة جذور الازمة الفكرية وتصويب الفهم واعادة صياغة السلوك الخلقي، كضمانة ضرورية، والا كنا كالذي يضرب في حديد بارد. ولاشك ان الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الاشياء والحكم عليها امر فطري طبيعي، له علاقة بالفروق الفردية الى حد بعيد، اذ يستحيل بناء الحياة وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس اصحاب القدرات الواحدة والنمطية الواحدة، ذلك ان الاعمال الذهنية والعملية تتطلب مهارات متفاوتة، وكأن حكمة الله تعالى اقتضت ان يكون بين الناس بفروقهم الفردية سواء أكانت خلقية ام مكتسبة بين الاعمال في الحياة تواعد والتقاء، وكل ميسر لما خلق له، وعلى ذلك فالناس مختلفون، والمؤمنون درجات، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات الخ ... «ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين» «هود:118» .