ومن التفويض أيضاً ما فعله ملك مصر مع يوسف عليه السلام حين فوضه بالقيام بمهمات حِفظ خزائن الدولة، وهذا يشبه إلى حد كبير منصب (وزير المالية) في عصرنا الحاضر، إذ منحه جميع الصلاحيات التي تخوله القيام بعمله وتنفيذ خطته الزراعية طويلة الأجل، وقد عبر الله عزَّ وجلَّ عن تلك الصلاحيات بقوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} (?) . "أي وطَّأْنا ليوسف في أرض مصر" (?) . فهو حر يتصرف كيف يشاء وفق الخطط والأهداف المرسومة، وهذه الحرية تتيح للمسؤول المناخ المناسب للإبداع والابتكار.

والإسلام ينظر إلى هذه الصلاحيات على أنها تشريف وتكليف في الوقت نفسه، فهي مما يُسأل عنه الإنسان، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته» (?) .

4 - مراعاة حال العامل المُكلَّف:

وهذا مما يجب أخذه بالاعتبار عند تكليف شخص ما بعمل ما، فمن بدهيات نجاح العمل أن يُسند إلى الشخص الذي تتوافر فيه صفات تؤهله للقيام بمهمات هذا العمل، وفي قصة موسى عليه السلام إشارة إلى ذلك، فمن الأسباب التي دفعت ابنة شعيب _ج (?) أن تطلب من أبيها أن يستأجره ما لمست فيه من قوة وأمانة، كما جاء في قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ *} (?) . فالقوة ضرورة للقيام بوظيفة الرَّعْي، كما أن الأمانة مهمة في حفظ المال وعدم الخيانة فيه.

كذلك من البدهيات ألاَّ يُكلف العامل بما لا يُتقِنه، وألاّ يُكلَّف بما لا يُطيق من الأعمال، يتجلى ذلك في قول الله تعالى: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (?) ؛ ذلك أن الإنسان إذا كُلِّف بما ليس في وسعه عجز حتمًا عن أدائه، وإن حاول تأديته فإنه يؤديه على وجهٍ فيه خلل وقصور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015