المبحث الثاني
مسؤولية المسلم عن الوقت
إن عقيدة المسلم المستمدة من القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة تحثه دومًا على الاهتمام بالوقت والحرص على اغتنامه والحذر من إضاعته، ذلك أن الإسلام - كما رأينا في المبحثين السابقين - يقرر مسؤوليّة المسلم عن حفظ وقته، وقد استشعر السلف هذه المسؤولية وعملوا بمقتضاها، كما يصفه لنا الحسن البصريُّ رحمه الله بقوله: "أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره" (?) .
فالاهتمام بالوقت، وإعمال العقل في استثماره والاستفادة منه، مطلب مهم في حياة المسلم، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: "أعلى الفِكَر وأجلُّها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة؛ فما كان لله أنواع، وذكر منها: الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، وجمع الهمِّ - أي: الهمَّة - كلّه عليه، فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبداً" (?) . كذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: " صحبت الصوفيّة فلم أستفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك" (?) ، أي: اقطع الوقت بالعمل لئلا يقطعك بالتسويف.
و"الوقت هو الحياة" (?) كما أثر ذلك عن الإمام حسن البنَّا رحمه الله، ولعله قد استفاد ذلك المعنى من قول ابن القيِّم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته